بنك “الهدى” وغيره: كيف تقامر إيران بالاقتصاد العراقي؟ ,
والاثنين الماضي، صنفت وزارة الخزانة الأميركية بنك الهدى كمؤسسة كبرى لغسل الأموال بسبب استغلاله وصوله إلى الدولار الأميركي لدعم بعض التنظيمات الإرهابية الأجنبية مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، كما فرضت عقوبات اقتصادية عليه. عقوبات على رئيسها التنفيذي.
وهذا ليس القرار الأول الذي تتخذه الولايات المتحدة. وفي سبتمبر الماضي، ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن هناك عقوبات أميركية صارمة وشيكة ضد أكثر من 15 مصرفا عراقيا خاصا، أغلبها تابعة لمؤسسات تابعة لأحزاب سياسية مدعومة من شخصيات معروفة، مشيرة إلى أن هذه البنوك تهرب أكثر من 100 مليون دولار أسبوعياً إلى 4 دول مجاورة أبرزها إيران إلى جانب سوريا والأردن وتركيا.
والولايات المتحدة، التي تهدد منذ سنوات بفرض مثل هذه العقوبات، عازمة على قطع مصدر التدفقات التي سمحت للحرس الثوري الإيراني -الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية- بتمويل نفسه من العراق، وهنا الأكثر أهمية السؤال البارز: لماذا تقامر إيران بالاقتصاد؟ عراقي كيف يحدث هذا؟
التنقلات الوظيفية للعملاء الإيرانيين
وكرست إيران كل طاقاتها لفرض الهيمنة على العراق، خلال الفترة التي تلت عام 2003، والتي راكمت مساحات ملحوظة نحو التنظيمات الشيعية المسلحة الموالية تماما لطهران، وذلك لضمان عدم تحول العراق إلى دولة ديمقراطية علمانية قادر على إدارة التنوع الطائفي والطائفي والهويتي دون استغلال. وتوظيف القوى الإقليمية والخارجية.
وانطلاقاً من ما يعرف في الاستراتيجية الإيرانية بـ«المشروع الشيعي»، انطلاقاً من كون العراق دولة مركزية في المنطقة، فهو الهدف الأساسي لأجندة «ولي الفقيه». وتهدف هذه الخطوة إلى منع عودة ظهور قاعدة سنية من العراق، ولكي يصبح ذلك قيمة مضافة لشبكة تنظيمية أخرى، بما فيها «حزب الله» في لبنان، تتيح له وجوداً فعالاً ومتعدداً ومؤثراً في المنطقة. الشرق الأوسط.
كما لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن العراق يشهد تواجد العديد من الميليشيات الشيعية، التي ترتبط بشكل وثيق بـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتتلقى الدعم الكامل منه، بما في ذلك “كتائب حزب الله” و”آسا”. “”عيب أهل الحق”” و””حركة النجباء””. “جميعهم مصنفون على قوائم الإرهاب.
وتشكل هذه الجماعات وغيرها من الميليشيات الأصغر كتلة التنظيمات الشيعية في العراق، وعلى خلفية كل ذلك، تبدو جغرافية الشرق الأوسط ساخنة إلى حد يخلق التوتر بسبب تعدد ساحات الصراع والمرونة على عدة مناطق. الجبهات، خاصة فيما يتعلق بالتحركات الوظيفية لعملاء إيران في سوريا واليمن ولبنان والعراق على خلفية الحرب. وفي غزة تورط طهران المباشر في ذلك.
وتواجه إيران منذ عقود طويلة وجود القوات الأميركية في المناطق التي تعتبرها طهران ساحتها الخلفية. في حين سعت إلى مواجهة ذلك من خلال بناء شبكة من الميليشيات المسلحة أيديولوجياً والمناهضة للغرب وإسرائيل. كما سعت إلى تدريب وتمويل وتسليح هذه الميليشيات حتى أصبحت نشطة على الأرض وحاضرة بقوة في الصراع الدائر على جبهات الشرق الأوسط.
ثم تصريح قال البنك “المركزي” العراقي، نهاية كانون الثاني/يناير، إن العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية على بنك “الهدى” جاءت بسبب أنشطة قام بها البنك في العام 2022. وأوضح البنك “المركزي” في بيان نشر على الحساب الرسمي عبر تطبيق “فيسبوك”. وسيُسمح لبنك الهدى بالتعامل بالعملات الأجنبية الأخرى.
البنوك العراقية تابعة لطهران؟
وبحسب مصدر سياسي عراقي مطلع لـ«الحال نت»، فمن المتوقع أن تطال عقوبات أخرى خلال الأيام المقبلة مصارف ومسؤولين جدد، وستشمل القائمة أحد الوزراء الحاليين في حكومة بغداد.
وبالمثل، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن بنك الهدى استغل لسنوات حصوله على الدولارات الأميركية لدعم منظمات إرهابية أجنبية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني، وكتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق في العراق.
وأشار البيان إلى أن “رئيس مجلس إدارة بنك الهدى متواطئ في أنشطة بنك الهدى المالية غير المشروعة، بما في ذلك غسيل الأموال من خلال شركات واجهة تخفي الطبيعة الحقيقية للأطراف المتورطة في المعاملات غير المشروعة، والتي في نهاية المطاف تمكن من تمويل الإرهاب”.
ثم قالت السفيرة الأميركية لدى العراق إيلينا رومانوفسكي: إن “هذه الإجراءات ستساعد في حماية النظام المالي العراقي والمشاريع التجارية المشروعة من الاستغلال”، بحسب منشور لها على حسابها الرسمي عبر تطبيق “X” (تويتر سابقاً).
وعندما سُئل سمير النصيري، مستشار جمعية المصارف في العراق، عن ملابسات هذا القرار وتوقعاته بشأن تداعياته على مستقبل البلاد، رفض التعليق، موضحاً لـ”الحال نت” أن “ المعلومات والبيانات المتوفرة حول هذا الموضوع ليست كاملة بعد”.
ويشير برلماني عراقي، فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أنه فيما يتعلق بموضوع العقوبات المصرفية التي تصدر بين الحين والآخر على مجموعة من البنوك العراقية، لا سيما القرار الأخير الذي ارتبط بمصرف الهدى، فإن ذلك القرار شمل العديد من أمور، وأهمها تبعية هذه البنوك، وكذلك المسؤولين عنها، تنتمي إلى القوى الفاعلة في السياسة الإيرانية.
علاوة على ذلك، فإن القرار يظهر مدى هذا الانخراط والنفوذ داخل العراق من خلال تمكين هذه الشخصيات في الفضاء السياسي في بغداد، وهو ما نجده في القرارات الأخيرة التي ارتبطت بالمصارف العراقية.
ويكشف المصدر الذي يشغل مقعده في البرلمان العراقي، في سياق تصريحاته لـ”الحال نت”، أن بنك الهدى يتبع مباشرة للشخصية السياسية حمد الموسوي، الذي يرتبط داخليا أيضا بتنظيمات موالون تماما لطهران.
ويضيف المصدر قائلاً: إن “بنك الهدى ومسؤوليه يعملون بشكل مباشر على تمويل الميليشيات المسلحة وعمليات التهريب المباشرة لصالح طهران، خاصة على مستوى العملة للتخفيف من تأثير العقوبات الأميركية على إيران، وكذلك غسيل الأموال”. العمليات، ومن ثم استخدام عائدات النفط العراقي وتوظيفها لخدمة الاستراتيجية الإيرانية. .
المقامرة بالاقتصاد العراقي
وينتقد المصدر العراقي الحكومة العراقية لعدم فعاليتها في “مقاومة التدخلات الإيرانية في عمق العراق وتأثيراتها على الاقتصاد العراقي وحياة المواطنين، وعدم قدرتها على تثبيت الاستقرار في البلاد”.
ليس هذا فحسب، بل يتوقع المصدر أن تمضي المؤسسات الأميركية في قرارات مماثلة بحق البنوك العراقية التابعة للميليشيات المسلحة داخل العراق، بهدف السيطرة على أنشطتها المشبوهة عبر منافذ شمال العراق.
من جانبه، يقول الباحث العراقي منتظر القيسي، رغم أن دور بنك الهدى، ورئيسه النائب السابق حمد الموسوي، في أنشطة غسيل وتحويل الأموال لصالح الحرس الثوري الإيراني، معروف لسنوات عديدة، لدرجة أن وزير المالية السابق هوشيار زيباري تحدث علناً في عام 2017. وفي عام 2016، دون أن يذكر اسمه، أفاد بأن البنك قام بتهريب أكثر من 6 مليارات دولار بموجب تصاريح استيراد مزورة.
لكن قرار وزارة الخزانة الأمريكية الأخير بإدراجهم على قائمة العقوبات يأتي في إطار حملة منسقة أوسع لتقييد فرص إيران في الحصول على العملة الأمريكية عبر النظام المصرفي العراقي لتمويل التجارة المشروعة وغير المشروعة بين العراق وإيران. وهذا ما جعلها تصنف من أهم الثغرات التي يستخدمها النظام الإيراني للتحايل على العقوبات الاقتصادية الأميركية، ويرجع ذلك إلى أن معظم البنوك الخاصة العراقية ليست بنوكاً بالمعنى المعروف.
وهم لا يقدمون أي خدمات مصرفية فعلية كالتمويل والإقراض وغيرها، بل هم مجرد “واجهات للأحزاب الحاكمة” أنشأوها للاستفادة مما يعرف بـ “مزاد العملة” الذي ينظمه “البنك المركزي” خمسة أيام في الأسبوع من أجل توفير حاجة التجار والمواطنين للدولار. الأميركية، و”تسهيل تحويل الأموال بين الحرس الثوري وعملائه في المنطقة والعالم، لدرجة أن بعض أصول بعض هذه البنوك لم تكن أكثر من مكتب وعدد قليل من أجهزة الكمبيوتر”.
وقال منتظر القيسي لـ”الحال نت”: إن هذه الأمور كانت أكثر من معروفة ومشخصة بأدق تفاصيلها بالنسبة للجانب الأميركي الذي اختار لسنوات طويلة الإدارة التكتيكية لـ”الحفاظ على النظام العراقي من الانهيار”.
تقييد تحركات “الثورية” الإيرانية.
وأضاف أن “هذه الظروف تظهر أن معاقبة بنك الهدى والمصارف الأربعة عشر التي وضعت أمامه على قائمة العقوبات الأميركية في تموز/يوليو من العام الماضي، وكذلك شركة طيران فلاي بغداد مؤخراً، هي أقل بكثير مما هو مطلوب لفرض العقوبات”. لها تأثير فعلي على شبكات غسيل الأموال التي أنشأتها”. الحرس الثوري وعملائه العراقيين، بالشراكة مع البنوك اللبنانية والأردنية والتركية وحتى الإماراتية.
ومن دون وضع الحكومة العراقية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفكيك هذه الشبكات والسيطرة على أصولها، أو مواجهة عقوبات مالية شاملة على القطاع المصرفي العراقي بأكمله. مما أدى إلى انهيار العملة العراقية وخروج التضخم عن السيطرة، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ويمكن تصنيف الفترة التي سبقت الانسحاب الأميركي من العراق على أنها حقيقة أن معاملات التبادل التجاري بين العراق وإيران لم تكن لافتة للنظر. في الواقع، يمكن اعتبار العلاقات الاقتصادية بينهما مقطوعة بشكل أساسي. إلا أنها أخذت فيما بعد بعداً متزايداً على نحو يمثل تهديداً حقيقياً لمصالح العراق التنموية، على خلفية العوامل السياسية والاقتصادية أيضاً.
من جانبه يقول الباحث العراقي مثنى العبيد، إن إعلان الولايات المتحدة يتضمن وضع بنك الهدى أحد البنوك العراقية الخاصة، على قائمة العقوبات الاقتصادية التي أقرتها وزارة الخزانة الأمريكية على الأفراد والمؤسسات. والدول التي تعتبرها داعمة للإرهاب، هي إحدى الآليات. الإجراءات العقابية التي اعتادت عليها واشنطن في التعامل مع الأفراد والكيانات السياسية والمالية في العراق بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام.
ويواصل الباحث العراقي في تصريحاته لـ”الحال نت”: من الصعب أن نتصور أنه لن تكون هناك أي تبعات لهذا القرار في الحد من نفوذ نفوذ إيران على صعيد علاقاتها مع حلفائها ووكلائها في المنطقة. لكن النقطة الأكثر إثارة للاهتمام هي مدى مرونة إيران تجاه هذه القرارات، على اعتبار أن طهران لديها القدرة على التكيف مع هذه العقوبات، وإيجاد طرق بديلة لتقليل الضغوط الأميركية المفروضة عليها؛ وهنا يفهم أن إيران هي لعبة قمار مع الاقتصاد العراقي، والخاسر في هذه اللعبة هو العراق نفسه.
وفي كل الأحوال، يرى الباحث العراقي مثنى العبيد أن القرار، رغم كل شيء، سيكون قادرا على الحد من خيارات إيران في “استغلال وتوظيف المؤسسات والأدوات الاقتصادية في العراق، والتأثير عليها مستقبلا، خاصة في ظل الوضع الراهن”. التوجه الأميركي نحو فرض عقوبات اقتصادية على المزيد من البنوك والشركات في العراق المتعاونة. مع إيران».