“عصابات مسلحة” تسطو على ملايين الدولارات من بنوك غزة.. ماذا حدث؟ ,
مع استمرار الحرب المأساوية في قطاع غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر، أصبحت أموال المدنيين في البنوك، والتي من المفترض أن تكون في مأمن من فوضى الحرب، عُرضة للخطر في أيدي المسلحين. وذكرت صحيفة “القدس” أن “أموال المدنيين في البنوك، والتي من المفترض أن تكون في مأمن من فوضى الحرب، أصبحت عُرضة للخطر في أيدي المسلحين”.الأوقات الماليةوذكرت الصحيفة البريطانية أن “عصابات مسلحة”، بما في ذلك مجموعات تدعمها حماس، نفذت عمليات سطو على بنوك في شمال قطاع غزة خلال الشهرين الماضيين.
وقد أدت عمليات السطو إلى سرقة ما لا يقل عن 120 مليون دولار، أو ثلث الأموال النقدية الموجودة في خزائن بنوك غزة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة في منتصف شهر مايو/أيار والتي اطلعت عليها صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
لكن الصحيفة البريطانية ذكرت أيضا أن البنوك في شمال غزة لا تزال تحتفظ بأموال نقدية تقدر بنحو 240 مليون دولار أخرى في خزائن، بعضها مدفون تحت “الخرسانة الأسمنتية”، في محاولة لمنع عمليات النهب بعد انهيار النظام المدني في الجيب المحاصر.
من جانبها، أثارت هذه السرقات مخاوف بين المسؤولين الإسرائيليين من أن بعض الأموال قد تؤدي إلى زيادة تمرد حماس، حيث تسيطر الحركة الإسلامية على الأوراق النقدية “النادرة” في القطاع المحاصر منذ اندلاع الحرب.
نهب أكبر مؤسسة مالية فلسطينية في غزة
وأشارت الصحيفة البريطانية، بحسب ما نقله موقع “الحرة”، في تقريرها، إلى أن أغلب حوادث السطو على البنوك حدثت بشكل “دراماتيكي”، إذ وقعت يومي 17 و18 أبريل/نيسان الماضي، في “بنك فلسطين”، أكبر مؤسسة مالية فلسطينية، فبعد صب الخرسانة حول قبو فرعه في منطقة الرمال لحماية الأموال من النهب، وقع انفجار وتبع ذلك عملية سطو.
ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية عن شاهد عيان قوله إن الأوراق النقدية كانت “تتطاير في الهواء” بينما فر اللصوص ومعهم نحو 31 مليون دولار بعملات مختلفة، وذلك وفقا لوثيقة داخلية أرسلت إلى مساهمي البنك واطلعت عليها الصحيفة البريطانية. وذكرت الصحيفة البريطانية أنه في اليوم التالي، وجد العملاء والتجار الذين جاءوا إلى الفرع لسحب ودائعهم “مجموعات مسلحة موجودة بالفعل داخل الفرع”.
من جانبه، قدر بنك فلسطين أن قيمة السرقة الثانية التي تمت مصادرتها بلغت 36 مليون دولار، والتي “جاءت بأوامر من أعلى سلطة في غزة”، في إشارة ضمنية إلى حماس التي حكمت القطاع قبل الحرب، بحسب الصحيفة.
لقد أدت الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل والرد الإسرائيلي اللاحق، إلى الحد من توفر الأوراق النقدية في القطاع. ويتعين على السكان دفع رسوم قبل أسبوع للانضمام إلى “طابور” أمام ماكينة صرف آلي في وسط غزة، وهي واحدة من الماكينات القليلة المتبقية لسكان القطاع الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة.
معظم الودائع في الضفة الغربية
ورغم أن عمليات السطو هددت موظفي بنك فلسطين، إلا أن المبلغ المسروق الذي يزيد عن 70 مليون دولار “لا يهدد استقراره”، نظراً لإجمالي ودائع عملائه البالغة 5.41 مليار دولار، معظمها في الضفة الغربية.
ونقلت الصحيفة عن بيان صادر عن بنك فلسطين قوله: “منذ بداية الحرب، اتخذ البنك كل الاحتياطات والاحتياطيات اللازمة لضمان سلامته واستقراره كمؤسسة، والحفاظ على ودائع العملاء حتى في أسوأ السيناريوهات”.
وقال بنك فلسطين في بيانه إن تقديرات المبالغ المسروقة “لا يمكن التأكد منها بسبب صعوبة تقدير الأضرار على أرض الواقع”.
ويحرص المصرفيون على عدم إلقاء اللوم بشكل مباشر على حماس، ولكن وجود مثل هذا المبلغ من المال في أيدي “السلطة العليا” في غزة من المرجح أن يغذي “التمرد” ضد الجيش الإسرائيلي، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين.
وتأتي عمليات السطو الكبرى في أبريل/نيسان في أعقاب موجة من السرقات التي بدأت في وقت سابق على نطاق أكثر تواضعا، عندما تمت سرقة حوالي 7 ملايين دولار من فروع بنك فلسطين، معظمها من أجهزة الصراف الآلي، من قبل عصابات مسلحة “تسللت إلى المباني، وفقا للوثيقة الداخلية”.
وتأتي عملية نهب البنوك في الوقت الذي يكافح فيه سكان غزة، الذين يعيش معظمهم في فقر مدقع، للعثور على النقود لشراء الإمدادات الأساسية بعد ثمانية أشهر من الحرب.
ويستخدم سكان القطاع الشيكل الإسرائيلي، إلا أن الجيش الإسرائيلي منع دخول الأوراق النقدية الجديدة، ما أجبر الفلسطينيين العاديين على استخدام الدينار الأردني والدولار الأميركي، بحسب الصحيفة البريطانية.
مصادرة الأموال!
وفي المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إنه صادر ما لا يقل عن 100 مليون شيكل (27 مليون دولار) نقدًا، و”حولها إلى بنك إسرائيل بالتعاون مع وزارة الدفاع من أجل منع حماس من الوصول إليها”.
وتفاقمت مشكلة نقص الأوراق النقدية في قطاع غزة، بسبب قيام فلسطينيين أثرياء بإرسال عشرات الملايين من الدولارات إلى شركة سياحة مصرية، تطالب الأخيرة بـ5 آلاف دولار عن كل شخص في أوراق نقدية جديدة من فئة 100 دولار لتمكينهم من مغادرة قطاع غزة، بحسب الصحيفة.
وفي مايو/أيار الماضي، أطلقت سلطة النقد الفلسطينية نظام الدفع الإلكتروني دون عمولات “للتعويض عن النقص في السيولة النقدية”.
الأوقات المالية
وبعد شهر من الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي أشعل فتيل الحرب، أصبح من الواضح لبنك فلسطين أن توافر الأموال النقدية في فروعه سوف يشكل مشكلة.
وبينما كان شمال قطاع غزة مدمراً بسبب الحرب، نجح البنك الفلسطيني في إقناع الأمم المتحدة بإرسال قافلة لنقل خمسين مليون دولار من الأوراق النقدية إلى الجنوب، لكن التحويل الثاني للأموال لم يتم تنفيذه بعد أن اكتشفت الأمم المتحدة أن غارة جوية إسرائيلية دمرت أحد فروع البنك.
وكتب البنك إلى المساهمين في مذكرة في وقت سابق من هذا العام: “إخلاء الأموال النقدية من غزة أمر مستحيل عمليًا”، مما أدى إلى ترك أكثر من 100 مليون دولار نقدًا في فرعين بمنطقة الرمال ووسط مدينة غزة، مما مهد الطريق لسرقات لاحقة، بحسب الصحيفة.
وبحسب التقارير، كان في غزة قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس أكثر من 90 جهاز صراف آلي و56 فرعا مصرفيا، بما في ذلك بنك فلسطين وبنك القاهرة عمان وبنك القدس، بحسب الصحيفة، التي أشارت أيضا إلى أن “التحويلات المصرفية، حتى من الخارج، لا تزال ممكنة في بعض الأحيان إلى البنوك المعترف بها دوليا، مثل بنك فلسطين، ولكن استخدام هذه الأموال أثبت أنه صعب ومكلف بشكل متزايد”.
وفي مايو/أيار الماضي، أطلقت سلطة النقد الفلسطينية نظام دفع إلكتروني بدون عمولات “للتعويض عن النقص في النقد”، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”، لكن إجراء التحويلات يتطلب الكهرباء والإنترنت، وكلاهما نادر في القطاع.
التقارير السابقة
وفي أوائل مايو/أيار الماضي، ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن مجموعات مسلحة، زعمت إحداها أنها مرتبطة بحماس، سرقت ما يصل إلى 66 مليون يورو (حوالي 71 مليون دولار) في إبريل/نيسان الماضي من فروع بنك فلسطين في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة حينها إنها اطلعت على وثيقة أرسلها البنك “إلى شركاء دوليين” وصفت فيها عمليات سطو محددة، واحدة منها طالت فرعه الرئيسي في مدينة غزة.
وذكرت صحيفة لوموند أنه في 16 أبريل/نيسان، “لاحظ الموظفون وجود ثقب في سقف الغرفة الآمنة”، موضحة أن “المجرمين استولوا على أموال من أجهزة الصراف الآلي تحتوي على أوراق نقدية من الشيكل الإسرائيلي، بقيمة 2.8 مليون يورو”.
وأضافت أن “مجموعات مسلحة مجهزة بالمتفجرات توجهت صباح اليوم التالي إلى المبنى مجددا”، لتفجير حاجز إسمنتي تم نصبه في اليوم السابق لحماية الأموال، ونجحت في فتح ثلاث خزائن “كانت تحتوي على ما يعادل 29 مليون يورو من عملات مختلفة”.
وفي 18 إبريل/نيسان، تعرض الفرع الثاني، وهو الأهم في وسط المدينة، لهجوم من قبل مجموعة ادعت أنها “من أعلى السلطات في غزة”، وهو المصطلح الذي يشير إلى “حماس”، بحسب الصحيفة الفرنسية. وكانت المجموعة تحمل معها “مبلغاً يعادل 33.6 مليون يورو بالشيكل الإسرائيلي”.
وبالإضافة إلى ذلك، استولى الجيش الإسرائيلي على “مبلغ كبير من المال تابع للمؤسسة النقدية ذاتها” في القطاع، بحسب معلومات صحيفة “لوموند”. ونقلت الصحيفة عن وسائل إعلام إسرائيلية قولها في فبراير/شباط إن “المبلغ المضبوط يبلغ ملايين الدولارات، وأن العملية كانت تهدف إلى منع حماس من الاستيلاء عليه”.
وأضافت أنه “بحسب شهادات سكان غزة المدعمة بتسجيلات كاميرات المراقبة، فإن مسلحين ملثمين يطالبون بنسبة من الأموال التي يسحبونها من الزبائن أمام أجهزة الصراف الآلي”.
وفي أعقاب ذلك، أعلنت سلطة النقد الفلسطينية حينها أنها فتحت تحقيقاً في سرقات بنوك في قطاع غزة، بعد أن أشار تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية إلى سرقة 70 مليون دولار في مايو/أيار الماضي.
أقرت الهيئة المستقلة التي تشرف على النظام المالي في الأراضي الفلسطينية بأن البنوك في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس تواجه تحديات زادت بعد تدمير معظم فروع البنوك في غزة بشكل كامل أو جزئي نتيجة الحرب المستمرة في القطاع بين إسرائيل وحماس.
وأعلنت سلطة النقد في بيان تلقته وكالة الصحافة الفرنسية: “تتواصل الجهود لتقييم الأضرار التي ألحقتها الحرب بممتلكات الجهاز المصرفي في قطاع غزة، بما في ذلك تدمير المقرات والمباني بسبب القصف، والسرقات التي طالت عدداً من فروع البنوك”.
ودعت سلطة النقد في بيانها حينها إلى “عدم الانجرار وراء أي أخبار كاذبة تنشرها مصادر مجهولة حول واقع الجهاز المصرفي”، مؤكدة أن “أموال المودعين كافة مضمونة لدى مؤسسة ضمان الودائع الفلسطينية ووفقاً للقانون”.