هذه اقتصاديات ثورة يوليو 1952 أيها المغرضون ,
لم تكن ثورة 23 يوليو 1952 حركة عادية في تاريخ مصر، بل كانت نقطة تحول بين عصر وآخر، ونقطة تحول جوهرية في حياة المصريين، ولم تكن انقلاباً على الملك، كما يروج المرجفون والجهلة، وتحاول الجماعة الإرهابية المارقة تزوير التاريخ بتصوير تلك الثورة على أنها حركة انقلاب.
ولم تفعل الجماعة الإرهابية ذلك إلا لأن الزعيم عبد الناصر لم يستجب لطموحاتهم، لذلك صورت الجماعة الإرهابية العصر الملكي على أنه عصر الرخاء والعيش الرغيد للشعب المصري، وكأن المصريين لم يكونوا حفاة وعراة في أيام الملوك، وكان 97% منهم عبيداً للإقطاعيين يعملون في الضيعات والإقطاعيات المختلفة.
كان الاسم الرسمي للمواطنين المصريين هو أهل الجلابيب الزرقاء، في إشارة إلى لون الجلابيب التي يرتديها الفلاحون المصريون ويهديها لهم الباشا أو البك. لم تكن مصر أكثر من حقل زراعي يزرع القطن لصالح الدول الأجنبية.
بناء الاقتصاد الوطني
وإذا تحدثنا عن المجال الاقتصادي المتعلق بالصناعة من خلال تلك الثورة المباركة فإننا سندرك بالفعل الفارق الرهيب الذي أحدثته الثورة في حياة المصريين، فقد تطورت حركة التصنيع في مصر بشكل ملحوظ بعد ثورة 23 يوليو 1952، لتحقيق حلم الاعتماد على الذات، وخفض فاتورة الواردات إلى الحد الأدنى، وهو ما نطمح إلى تحقيقه في الوقت الحاضر، وتعظيم الصادرات، وكان الأمل في تصنيع كل شيء من «الإبرة إلى الصاروخ».
وأعطيت الأولوية للصناعات الكيماوية والغزل والنسيج، والصناعات المعدنية، خاصة الحديد والصلب والأسمنت، وأقامت الثورة مصانع الحديد والصلب بهدف تطوير الصناعات الثقيلة، ومجمع مصانع الألومنيوم في نجع حمادي، وهو مشروع عملاق تكلف قرابة 3 مليارات جنيه، وشركة كيما للأسمدة، ومصانع الإطارات المطاطية.
وكانت مصانع عربات السكة الحديد، وسيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية، وتوليد الطاقة الكهربائية من السد العالي تستخدم لتشغيل المصانع وإنارة المدن والقرى، كما أقيمت المناجم في أسوان والواحات البحرية، وأنشئت المصانع الحربية لتلبية احتياجات الجيش المصري من الأسلحة والذخائر.
وكانت نتيجة بناء هذه الحصون الصناعية فتح أبواب العمل أمام ملايين المصريين في كافة المجالات الصناعية والخدمية، وأنشأت الثورة المجلس القومي للإنتاج سنة 1955، الذي لعب دور الترويج للمشروعات الصناعية.
بعد العدوان الثلاثي مهدت الثورة الطريق أمام التنمية الاقتصادية المستقلة لبناء اقتصاد وطني حديث يعتمد على الصناعة، فأنشأت وزارة الصناعة في يوليو 1957، وأنشئ أول برنامج وطني للتصنيع في عام 1957، بتكاليف إجمالية بلغت آنذاك 250 مليون جنيه، يتم تنفيذها على مدى 5 سنوات، تم اختصارها إلى 3 سنوات.
وفي أواخر عام 1959 تقرر إعداد برنامج التصنيع الثاني لتغطية الفترة الخمسية التالية. وكانت الخطة الخمسية الأولى (1960/1961-1964/1965) تهدف إلى إعطاء دفعة قوية للصناعة، لذا تم تخصيص 26.7% من إجمالي الاستثمارات لها بهدف زيادة الصناعات التحويلية بنسبة 42% في نهاية تلك الخطة.
إن التنمية عملية ثورية.
لقد قطعت الثورة ثلاث خطوات حاسمة على طريق التنمية، كانت الخطوة الأولى هي وضع خطة لمضاعفة الدخل القومي خلال عشر سنوات، والمعروفة بالخطة الخمسية الأولى، وهذا يعني قبول مبدأ التخطيط للتنمية. وكانت الخطوة الثانية هي القيام بعمليات تأميم كبرى، بدءاً بتأميم البنك الوطني وبنك مصر في فبراير 1960، ثم تأميمات يوليو 1961 وما بعدها، وقوانين يوليو الاشتراكية، وهذا يعني قبول أن القطاع العام هو القاعدة الأساسية للتنمية.
أما الحدث الثالث فكان إقرار ميثاق العمل الوطني وتمهيد الطريق للتحولات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الوصول إلى الاشتراكية، وهو ما يعني أن التنمية عملية ثورية لا تهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي فحسب، بل إلى تغيير المجتمع وإعادة بنائه بما يعود بالنفع على كافة قواه العاملة. وظلت حصة الاستثمارات الصناعية عند مستوى 25% من إجمالي الاستثمارات منذ عام 1960، باستثناء الفترة من عام 1967 إلى عام 1974.
اقتصاد مصر واقتصاد كوريا الجنوبية
لقد مرت البلاد بمرحلة اقتصاديات حرب حدت من الاستثمارات الجديدة وأبطأت عملية التنمية، وكان من نتائج النهضة الاقتصادية والصناعية التي أحدثتها ثورة يوليو أن الاقتصاد المصري، رغم نكسة 1967، استطاع أن يتحمل تكاليف استكمال بناء مشروع السد العالي، الذي اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسي وتنموي في القرن العشرين، والذي يعادل في بنائه 17 هرماً من طراز هرم خوفو.
واستطاعت مصر الحفاظ على معدل النمو الاقتصادي في عامي 1969 و1970 ليصل إلى 8% سنويا، وفي عام 1969 تمكن الاقتصاد المصري أيضا من تحقيق زيادة في فائض الميزان التجاري لأول مرة في تاريخ مصر، حيث بلغ الفائض 46.9 مليون جنيه بأسعار ذلك الوقت.
وظهرت المحلات المصرية التي تعرض وتبيع المنتجات المصرية من مواد غذائية وملابس وأثاث وأجهزة كهربائية، وزادت مساحة الأراضي الزراعية بنسبة 15%، ولأول مرة تسبق الزيادة في مساحة الأراضي الزراعية الزيادة في عدد السكان، وزادت مساحة الأراضي المملوكة لصغار المزارعين من 2.1 مليون فدان إلى نحو 4 ملايين فدان.
وحتى عام 1970 كان اقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، وكانت مصر تتمتع بفوائض من العملة الصعبة تتجاوز 250 مليون دولار، حسب البنك الدولي. كما أسست مصر أكبر قاعدة صناعية في العالم الثالث، حيث تم إنشاء 1200 مصنع خلال الثورة، بما في ذلك الصناعات الثقيلة والتحويلية والاستراتيجية. وانعكست النهضة الاقتصادية خلال الثورة على مستوى التعليم، حيث انخفضت نسبة الأمية من 80% قبل عام 1952 إلى 50% عام 1970، وذلك بفضل مجانية التعليم في جميع مراحل الدراسة.