التوسع الروسي يضرب القارة السمراء: تونس تنزلق لمعسكر المنبوذين؟ ,
وعلى غرار الصين، وبوتيرة متزايدة واهتمام متزايد، تسعى روسيا إلى تأكيد وجودها في القارة الأفريقية، حيث تعمل موسكو بشكل غير مسبوق على جذب حلفاء جدد من القارة الأفريقية من خلال توطيد العلاقة مع حكومات القارة الأفريقية. وتوسع الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية، ومن بين تلك الدول تبرز تونس. في الواجهة.
وواقعياً، تستغل موسكو حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العالم وحاجة الأفارقة لمشاريع البنية التحتية وبناء القدرات العسكرية والتمكين الاقتصادي لتوسيع نفوذها في أفريقيا، حيث شمل التوسع الروسي دول مصر وتونس والكونغو، أوغندا، وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، والسودان، ومالي، وغيرها من دول العالم، وسنركز هنا على النفوذ. الروسية في تونس.
إن الاهتمام المبالغ فيه بالسياسة الخارجية الروسية تجاه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يكن وليد اللحظة. بل يعود تاريخها إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أي قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. وكانت روسيا في ذلك الوقت لاعباً رئيسياً، وتتمتع بنفوذ عسكري واقتصادي وثقافي وسياسي قوي، وبمنافسة أيديولوجية شرسة ومثيرة للقلق على القوى. السيطرة على أفريقيا في ذلك الوقت.
لكن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 تسبب في اختفاء دور موسكو في أفريقيا، وإغلاق السفارات والقنصليات الاقتصادية والمراكز الثقافية، وقطع المنح والمساعدات المالية للدول الأفريقية، ولم يتبق سوى الجماعات الموالية لروسيا أيديولوجياً. .
عودة روسيا إلى أفريقيا
وفي بداية الألفية الثالثة عادت روسيا إلى أفريقيا بحجة التعاون الاقتصادي والمصلحة المشتركة. وفي عام 2006، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض الدول الإفريقية، برفقة وفد كبير من رجال الأعمال، فيما أنشأ الكرملين منصب مستشار خاص لإفريقيا على مستوى وزارة الخارجية. الروسية، وتوسعت موسكو في تعاون اقتصادي مع أفريقيا في مجالات الطاقة والتكنولوجيا الرقمية وتطوير البنية التحتية بالإضافة إلى الزراعة والتعليم، وبلغ التبادل التجاري بينهما 20 مليار دولار خلال عام 2018، وذلك إثر تزايد الأعباء على أفريقيا نتيجة تداعيات وجائحة «كورونا» والتغير المناخي والحرب الأوكرانية، ألغت موسكو (20) مليار دولار من الديون المستحقة على عدد من دول القارة.
وتريد روسيا توطيد علاقتها مع الدول الإفريقية، خاصة الدول المغاربية، وخاصة تونس، من أجل السيطرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط من الجانب الإفريقي، ومن ثم استخدامها كورقة ضغط على الدول الأوروبية لتخفيف العقوبات المفروضة عليها، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز. لما يرى المحلل السياسي حسين جيدل في حوار مع “الحال نت”.
ويرى جيدل أن موسكو تحاول تخفيف الخناق الذي تفرضه عليها الدول الأوروبية من خلال إيجاد حلفاء مجاورين للقارة القديمة، مشيرا إلى أن روسيا تريد إيجاد دور لتونس في إعادة بيع منتجاتها المحظورة عبر إيصالها إلى تونس ومن ثم بيعها إلى دول أخرى. بلدان.
تونس ليست الدولة الوحيدة التي تريد موسكو السيطرة عليها. وفي منتصف يوليو/تموز، نشر المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية تشير الدراسةوأشار إلى أن روسيا تحاول تقويض الديمقراطية في أكثر من 20 دولة أفريقية عبر التدخلات السياسية وحملات التضليل المعلوماتي ونشر مرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية، فيما أشار المركز إلى أن موسكو تتدخل بشكل كبير في الانتخابات لإبقاء الأنظمة صديقة. إليها في السلطة.
وهذا ما تناوله حسين جيدل في حديثه لـ”الحال نت”، عندما قال إن الرئيس التونسي قيس سعيد طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين التدخل لدفع العلاقات التونسية الروسية إلى مستوى أعلى، مؤكدا أن ذلك أمر واضح. إشارة إلى أن روسيا تدعم الأنظمة القمعية وتعمل على تقويض الديمقراطية.
الحبوب والطاقة: تونس تقع في فخ موسكو؟
ولم تجد روسيا صعوبة في إقناع تونس بإقحامها وتحويلها إلى سوق استهلاكية لمنتجاتها، معتمدة على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس وحاجتها إلى الحبوب والمنتجات النفطية الروسية المحظورة من قبل الاتحاد الأوروبي، ما اضطر موسكو إلى إعادة توجيه الصادرات بعيدا. من أوروبا نحو الأسواق البديلة، وخاصة دول شمال أفريقيا.
ويوضح المحلل السياسي حسين جيدل أن العلاقات الروسية التونسية تعود إلى زمن طويل، لكنها أصبحت واضحة مؤخرا بعد أن أثيرت شبهات حول تدخل روسيا في تنصيب قيس سعيد رئيسا لتونس عبر الشبكة التي يديرها المركز الثقافي الروسي، كما عملت روسيا بشكل كبير ومن خلال وسطاء على جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالتونسيين، وتحليلها، ومن ثم إعادة توجيهها، مما أثر على العملية السياسية في تونس.
ويعزو جيدل لجوء تونس إلى احتضان روسيا إلى التباطؤ الاقتصادي والجفاف طويل الأمد الذي ضرب تونس، وهو ما جعلها أقرب إلى موسكو، خاصة أن منتجات الطاقة والحبوب التي تحتاجها بأسعار منخفضة متوفرة من روسيا، إضافة إلى انفتاح موسكو الكبير. لتونس من الناحية السياحية، لافتا إلى أن روسيا عملت على ترسيخ الثقافة الروسية في المجتمع التونسي من خلال تدريس اللغة الروسية التي وصلت إلى الصفوف الأولى في المدارس التونسية.
في هذه الأثناء، أظهرت البيانات وبحسب تحليلات كبلر، استوردت تونس نحو 77 ألف برميل يوميا من زيت الغاز والديزل الروسيين في فبراير 2022، مقابل 20 ألف برميل يوميا في يناير من نفس العام، و25 ألف برميل يوميا في ديسمبر. وفي الأشهر الأخيرة، زادت تونس بشكل كبير وارداتها من روسيا، حيث حصلت البلاد على 2.8 مليون برميل من المنتجات النفطية الروسية في يناير 2023.
أما ملف الحبوب فهو الورقة التي تعمل عليها روسيا كثيرا في عملية خلق الرأي العام وجعل الدول الفقيرة تصطف معه كما يحدث الآن مع تونس التي تعاني من نقص في الإمدادات بسبب إلى حرب أوكرانيا، إضافة إلى تراجع الإنتاج الوطني بأكثر من 80 بالمئة عام 2023 تحت وطأة الجفاف. وهو ما ضرب البلاد، ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارة سابقة لتونس، إلى القول إن بلاده “مستعدة” لتسليم كميات إضافية من الحبوب إلى الدولة الإفريقية التي سيتعين عليها استيراد كل احتياجاتها تقريبا. هذا العام بسبب الجفاف الشديد.
هل أصبحت تونس ورقة ضغط في يد روسيا؟
وتحاول تونس الحفاظ على علاقتها المتوازنة بين روسيا من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، ستجعل موسكو من تونس ورقة ضغط على الدول الغربية، خاصة وأن الأوروبيين أجمعوا على إدانة تصرفات الرئيس التونسي قيس سعيد في خنق الحريات ورفضهم الواضح لنتائج الانتخابات، بحسب ما يرى جيدل. وشدد على أن العلاقات الروسية التونسية تشهد نموا ملحوظا بسبب فرض العقوبات الأوروبية على روسيا والوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه تونس.
ورغم أن روسيا ستساعد تونس في إطلاق قمر صناعي عام 2021، إلا أن جيدل يستبعد أن تتعاون موسكو وتونس على المستوى العسكري، لأن معدات الجيش التونسي مجهزة من قبل أمريكا والجيش التونسي مدرب وفق أساليب “الناتو”، وهذا وهو امتياز لن تتنازل عنه تونس رغم ما قاله.
من جانبه حذر المحلل السياسي والخبير في شؤون أوروبا الشرقية محمد فرج الله في حديث لـ”الحال نت” من انزلاق تونس إلى المعسكر الروسي، مشيرا إلى أن تونس تمر بمرحلة مفصلية ومهمة في تاريخها، بسبب وقربها الكبير من روسيا والصين وعزوفها عن الدول الأوروبية بسبب الشروط المفروضة عليها. من البنك الدولي، وهو ما أثار غضب أصدقائه الأوروبيين، لافتا إلى أن روسيا تستغل دائما غضب الدول الأفريقية ضد الغرب لتوسيع نفوذها. بمعنى آخر، أخطاء الغرب في المنطقة هي مكاسب لروسيا، وهذا ما ينطبق فعلياً على تونس.
وبات التدخل الروسي واضحا في تونس من خلال إبرام صفقة استيراد قمح مخفض السعر لتونس، إضافة إلى الدعم السياسي الذي قدمته روسيا للرئيس التونسي وزيارته الأخيرة لموسكو، فيما اعتبر فرج إرسال روسيا قمحا مجانيا إلى تونس. تقوم الدول الإفريقية برشوة سياسية بهدف كسب تأييد حكومات تلك الدول واستخدام أصواتها في الأمم. والولايات المتحدة تؤيدها، مؤكدة أن موسكو تعيش عزلة خطيرة للغاية منذ حربها على أوكرانيا، ولحل هذا المأزق تتجه نحو الدول النامية.
من يقف مع تونس؟
في 20 يونيو من العام الماضي يتأكد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يشارك إيطاليا وجهة النظر بشأن الحاجة الملحة لتقديم المساعدة الاقتصادية لتونس، في ظل مشاكل الديون التي تواجهها البلاد. وجاءت تصريحاته خلال لقائه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني في باريس، فيما قال ميلوني إن باريس وروما، اتفقتا على ضرورة عمل الاتحاد الأوروبي بشكل عملي وجدي لمساعدة تونس، البلد الذي شهد نزوحا جماعيا للمهاجرين. المهاجرين إلى أوروبا في الأشهر الأخيرة.
ويصطدم النفوذ الروسي في أفريقيا مع لاعبين رئيسيين في المنطقة، هما أمريكا والجزائر. لأن الوجود الروسي في منطقة الساحل أزعج الجزائر؛ لأنها تعارض مصالحها، مما دفعها إلى فتح حوار مع الولايات المتحدة بشأن الوضع في مالي والنيجر، خاصة أن العلاقات الروسية الجزائرية تشهد فتوراً بسبب تواجد قوات “فاغنر” في القارة الإفريقية، كما فضلا عن تفضيل روسيا الأخير للمغرب على الجزائر، بحسب حسين جيدل، مع الإشارة إلى أن تمدد روسيا في أفريقيا سيكون محدودا جدا في بعض الدول، لأنها لا تملك الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي تجعلها دولة مؤثرة. في أفريقيا مما يشكل تهديدا للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
أما المحلل السياسي محمد فرج من جهته فيرى أن هناك تواجدا أميركيا غير معلن في تونس، ولعل وجود دوريات أميركية قرب السواحل التونسية وقاعدة بحرية هو خير دليل على حجم التواجد الأميركي، والذي يقف في وجه التمدد الروسي نحو الموانئ التونسية.
وأخيراً، فإن تعاون الحكومة التونسية مع روسيا له تداعيات مستقبلية خطيرة، وقد تقع تونس رهينة لموسكو، كما يحدث مع سوريا الآن. فالتقاطع مع أميركا وأوروبا يعني التخلي عن البنوك العالمية والتكنولوجيا المتقدمة ومشاريع الشراكة الواعدة، والانضمام إلى «معسكر المنبوذين» (روسيا والصين). كوريا الشمالية وإيران وسوريا)، بحسب فرج.