رواية مصطفى أبوحجر الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت السابع والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء السابع والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجررواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة السابعة والثلاثون

الفصل السابع والثلاثون
-٣٧- الوجه الخفي لحواء
للفصول السابقة
https://www.facebook.com/media/set/?set=a.593415986136693…
توجهت إلى غرفة ابنتها حيثُ استلقت أعلى فراشها عقب إغلاق بابها بإحكام، مُحاولة لملمة خيباتها والاستناد على نفسها وكأنها أكثر الأشياء ثباتًا في هذا الكوكب، إلا إنها في لحظة من اللحظات المُزيفة الكاذبة هُيئ إليها أنها قد لمحت ثمة طوق نجاة بإمكانه إنقاذها، فلمعت الفكرة بداخل ذهنها ظانه أنها باستطاعتها النجاة من الغرق إذا ما قامت بتلك الخطوة، حسنًا ماذا إذا ما قامت بالنشر على صفحته الشخصية اعترافًا باسمه على أن تلك الروايات ملكًا لها ..
كفكفت دمعاتها بعدما اختمرت الفكرة بداخل ذهنها، مُسترجعة كلمة السر الخاصة به والتي أطلعها عليها ذات مرة ..
لذا قامت بفتح هاتفها الذى أوشكت بطاريته على النفاذ وقبل أن تقوم بتسجيل الخروج من حسابها الشخصي لمحت عيناها تلك الكلمات التي أسرها بها ذات يوم عند استيقاظها بداخل فراشه لأول مره حين همس بداخل قوقعتها قائلاً ..
“وما كُنتُ ممن يَدخُلُ العِشقُ قلبه .. ولكن من يُبصِر جُفونكِ يَعّشَقُ”
أصدر الهاتف إنذاره الأخير حينما لمحت هي اسم “المتنبي” أسفل أبيات الشعر تلك، وفى تلك اللحظة انطفأت شاشة هاتفها وانطفأت هي معها ..
حملقت شمس في الفراغ عدة لحظات بيأس مُسترجعة كلمات الغزل وأشعار الوله التي طالما حاوطها بها من قبل ليُسلسلها بها وراء قضبان سراب حبه الزائف قبل أن يتساقط ذلك القناع الرقيق الحالم الذى أوقعها به، اهتزت صورته بخيالها وكأنه مُجرد شبح يجري بعيدًا عنها، ووجدت نفسها باردة كالثلج وخُيل إليها أنها ستبقى كذلك طوال عُمرها، بلا قلب وبلا احساس، باردة جافة قاسية كتمثال من الحجر ..
بعد عدة لحظات ترامى إلى أُذنيها صوت باب المنزل يُغلق بقوة فأرهفت السمع لتُتابع أصوات تحريك المفتاح المُتكررة داخل الطبلة الخارجية فعَلمِت منها أنه قرر أسرها كسجينة بداخل منزله ..
تحركت على أطراف أصابعها بحذر لتُغادر الغرفة باحثة عنه في أرجاء المنزل لكنها لم تجده، فقامت بالبحث عن المفاتيح الخاصة بها والتي عادة ما تضعها بجوار باب المنزل لكنها لم تجدها هي أيضًا كما توقعت ..
فتوجهت رأسًا إلى غرفة نومه وعبثت بداخل إحدى الأدراج حيثُ يضع العديد من ممتلكاته القديمة باحثة عن وصلة كهربائية لمليء بطارية هاتفها بعد أن نسيت خاصتها في بيت والدها، لكنها لم تجد سوى شاحن متهالك مُتكور بجوار هاتف قديم خاص به وإلى جانبه جهاز لاب توب محمول مُغطى بالغبار ..
زفرت بضيق مُتجاهلة تلك المحتويات قبل أن تقوم بالتفتيش في باقي أنحاء المنزل عن وصلة كهربائية تناسب هاتفها لكنها لم تجد في النهاية، فتوجهت من جديد إلى ذلك الهاتف القديم والشاحن الخاص به والحاسوب المحمول بجوارهم وقامت بحملهم جميعًا إلى غرفة ابنتها حيثُ وضعتهم أعلى الفراش بتأن قبل أن تُغلِق باب الغرفة من الداخل بمفتاحه الخاص وتبدأ في محاولتها الأولى لفتح تلك الأغراض علها تسطع التواصل مع والديها من خلالهم ..
لم تعلم إذا كان القدر يساندها تلك المرة أو إنه مُجرد حظ طيب أصابها بعد الكثير من الإخفاقات، فجهاز الحاسوب المحمول المُغطى بالأتربة لم يحتاج إلى كلمة مرور كي يقوم بالعمل بل والمفاجأة الكبرى التي لم تتوقعها أنه لازال يعمل بالأساس ولم يَجُر عليه الزمن كما ظنت، أما الهاتف القديم فأضاء بمجرد إيصاله بشاحنه الخاص …
قررت هي ترك الهاتف لعدة دقائق كي تمتلئ بطاريته قليلًا قبل أن تستطع مُحادثة والديها، بينما ذلك الحاسوب المفتوح على مصراعيه استحوذ على اهتمامها كله، فلمعت تلك الفكرة من جديد بداخل عقلها، خاصة وأن جميع حساباته استمرت في تلقى الاشعارات بمجرد التقاطها لإشارة الأنترنت الهوائي، فلم تكن تحتاج لأكثر من كبسة ذر بسيطة للولوج إلى حسابه الشخصي وكتابة تلك الكلمات التي مرت على خاطرها من قبل لإثبات ملكيتها لروايات أفلامه التي يتباهى بها ..
لكن مالم تسطع مقاومته في البداية هو تلك الرسائل الخاصة بحسابه الشخصي، خاصة بعد أن وسوس لها شيطانها بأن تلك هي فرصتها المناسبة للتحقق من خيانته كي لا يدفعها قلبها من جديد إلي المسامحة أو المغفرة ..
فقط لو أنها تعلم أن تصفح ذلك الحاسوب المُهمل بداخل إحدى الأدراج بتلك السهولة لما توانت عن فعل ذلك مُنذ أول مرة وقعت عيناها عليه، لكن تلك الأتربة التي كانت تُغطيه وترك زوجها له بذلك الاهمال الواضح جعلها تعتقد أنه مُجرد خردة لا تصلح للعمل أو إنه مُكتظ بالأرقام السرية التي لن تستطع المرور منها مهما فعلت لذا تجاهلته عن عمد ..
زادت خفقات قلبها مُنذرة بخطورة ماهي مُقدمة عليه، لم تعي أنها الآن وبمحض إرادتها الكاملة على وشك كشف حقيقة أسطورة مصطفى أبو حجر الزائفة، فليس الأمر مُجرد خيانات عابرة أو علاقات مشبوهة عابثة ستنكشف أمامها الآن على سطح تلك الشاشة المضيئة لتُساهم في تشويه صورته بداخلها إلى أقصى حد ..
بل الأمر سيصل إلى ذلك التساؤل المُريب بينما علامات الرعب والفزع تملأ وجهها عندما تكشف حقيقته كاملة فيُردد لسان حالها دون أن تقدر على النطق من هول ما رأته ..
(( اللعنة من ذلك الذي تزوجته ! )) …
أراحها في البداية عدم وجود أي محادثات خاصة بينه وبين لينا لكن عقلها سُرعان ماردها إلى صوابها ساخرًا :
_ أكيد بيتكلموا على الواتساب أو مش محتاجين يتكلموا ما هم بيتقابلوا على طول ..
تحركت عيناها بسرعة على الاسماء بقائمة الرسائل إلى أن وقع بصرها على صورة فتاه رأتها من قبل، نعم إنها فتاة المعرض، أليست تلك التي وصفها بالجنون حينما أتت إلى ذلك المنزل في بداية زواجها ؟
قامت بفتح الرسائل دون تفكير لتقرأ رسائلها الأخيرة إليه ..
فكما قال هي تطارده وهو يتجاهلها، تبعث له بعشرات الرسائل يوميًا لكنه لم يُجيبها، بدأ قلب القارئة بالعبث بها من جديد مُفتخرًا بصدق من ملك زِمام أمره، لكن ذلك العبث لم يستمر طويلًا حينما صعدت عدستيها إلى المحتوى القديم بين تلك الفتاة وبين زوجها ..
هل توقف القلب حقًا عن النبض مُتواريًا وراء أغشيته خجلًا من حماقاته التي لا تنتهي !! أم أن عملية التنفس اللازمة للبقاء هي التي ترفض الاستمرار لتُحول ذلك الجسد الجالس خلف الشاشة المُضيئة إلى مُجرد جثة هامدة لا يحيا بها سوى عدستين تستقبل تلك الكلمات التي أرسلها زوجها إلى أُخرى، وتقوم بطباعتها داخل صفحة فؤادها الذى أصابه الشلل التام، تلتمع مقلتاها بدمعات لم تكف عن التتابع وهى تكتشف عبثه بقلب الفتاة التي خلّفها وراء ظهره جاثية على ركبتيها أرضًا تلك الليلة دون الإحساس بأقل مشاعر للشفقة على حالها..
أكان من المُحتمل أن تكُن هي بمحلها وفى موضعها ذات يوم !!
ابتسمت بسخرية مُرددة بداخلها :
_ لولا إنه كان عاوز الرواية عشان الفيلم أكيد بردو كان هيبقى مصيري زيها في الآخر ..
توقفت لوهلة أمام العديد من الملفات بصيغة الورد والتي أرسلتها الفتاة إليه فدفعها الفضول إلى فتح إحداها وقامت بقراءتها على مهل ….
تلك الكلمات ..
تلك الكلمات تشعر وكأنها قد قرأتها من قبل بل هي تعرف ذلك البطل وهذه الأحداث، أليست تُشبه كثيرًا روايته الأخيرة والتي ……..
في تلك اللحظة توقف عقلها عن التفكير لبضع ثوان قبل أن يستعيد نشاطه بالكامل وتتسع عيناها غير مُصدقة ما يُخبرها به عقلها ..
تصفحت ما تبقى من الملف على عجل ليزداد تأكيده لما أخبرها به فارتعشت يداها رغمًا عنها بعد أن تجمدت دمعاتها ..
توجهت من جديد إلى رسائله الخاصة مُتصفحة ما تبقى من أسماء معظمها ظهرت باسم (مستخدم) فدفعها الفضول إلى قراءة المحتوى، وهُنا في تلك اللحظة شعرت بقوة الأدرينالين تسري في جسدها لتزداد ارتعاشة يدها غير قادرة على الضغط على المزيد ..
لكن على عكس ما توقعت ذلك الذي زاد من دقاته لدرجة مؤلمة، قلبها هو من دفعها للقراءة رغمًا عنها واستحثها على البحث عن الملفات الكتابية على الحاسوب والتوصل إلى المزيد والمزيد والمزيد ..
بعد عدة ساعات من البحث المستمر كانت تجلس أعلى حافة الفراش بعيدًا عن ذلك الشيطان المُتمثل في حاسوب، تنظر إليه بارتعاد وخوف وكأنه هو الفجوة الفاصلة بينها وبين الجحيم بناره المستعرة التي تمكنت منها بالفعل، لفت ذراعيها حول جسدها الضئيل مُحتضنة إياه وكأنها تُربت عليه بلطف، تحدثت إلى قلبها بلهجه تُشبه الرثاء وكأنها تنعيه وتواسيه في نفس الوقت بينما عقلها لم يتوقف عن التفكير ولو للحظة مُحدثاً إياها :
_ إزاى كُنتي غبية كده ومفهمتيش حقيقته، أتجوزك عشان رواياتك وخدعك زي ما خدع بنات كتير قبلك عشان رواياتهم ..
مصطفى أبو حجر الكاتب العظيم طلع مجرد وهم .. كلماته اللي حببتك فيه قبل ما تشوفيه طلع سارقها، حنيته وقلبه اللي افتكرتي إنه عوض ربنا ليكي كان تمثيل وطلع مخبي وراهم قسوة وجحود مش عند إبليس نفسه ..
الدور كان عليكي عشان يكسرك ويرميكي زي ما عمل في البنات دي كلها، بعد ماياخد كُل اللي عاوزه منك ويلاقي ضحية جديدة ويركنك على الرف، مصطفى عمره ما حبك ولا كُنتي حاجه بالنسباله، مش هو ده اللي فضلتيه على أسامة ؟ أسامة اللي حاول يحذرك منه وانتي بغبائك وغرورك مفسرتيش ده غير إنه غيرة !!
اعتلى صوت نشيجها ونحيبها على حالها بعد أن تكورت على فراشها وشرعت بأرجحة جسدها قائلة بصوت مسموع وكأنها تقوم بإخراس صوت عقلها المؤنب :
_ كفاية بقى خلاص أنا مش عاوزة أسامة ولا غيره، مش عاوزة مصطفى مش عاوزة ماجد، مش عاوزة حد يبقى معايا .. كلهم كدابين محدش فيهم حبني، أنا مش عاوزة أثق في حد تاني وأطلع غلطانة، مش عاوزة يبقى جوايا عشم لشخص، مش عاوزة اتصدم تاني وأتخذل تاني، كفاية عليا كدة أنا مستاهلش اللي بيحصلي ..
ذنبي إني حبيت وأخلصت !! ذنبي إني اتعلقت وكنت عاوزة أحب وأتحب !
جربت اختيار عقلي وجربت اختيار قلبي وفي الاتنين محدش نصفني، في الاتنين كُنت غلط، ودلوقتي جاي تقولي من تاني أسامة !
مش ده السبب في كُل اللي بيحصلي ! مش هو ده اللي دمر ثقتي في نفسي لما رفضني .. كُنت عاوزني أرجعله وأبقى معاه ويدمرني أكتر ..
بس لا زي ما هو السبب في كُل اللي بيحصلي يبقى هو اللي لازم يجيبلي حقي …
صمتت للحظات مُحاولة لملمة شتات نفسها قبل أن يصدر صوتها مرتعشًا مهزوزًا بعد اعتراض قلبها قائلة :
_ بس إزاى هقوله إن اللي فضلته عليه طلع نصاب، إزاى هواجهه بحقيقة اختياري التاني الأكبر بكتير في غبائه من اختياري لماجد، هيرضى يساعدني أصلاً لو عرف ولا هيبقى شمتان فيا ..
بعد اللي عملته ده كله إزاى هيسامحني ويساعدني إيه اللي يجبره !
صاحت كالفاقدة عقلها لقلبها المؤنب هو الآخر وقالت مُحدثه إياه كالمجنونة وكأنه قد تجسد أمامها بصفة بشر :
_ أنت كمان بتلوم عليا، مش انت اللي اخترت المرادي، مش انت اللي كنت بتدق لمصطفى، مش انت اللي كُنت بتخليني أسامحه وأعدى إحساسي بخيانته، جاي دلوقتي تقولي أسامة !
متمسكتش ليه انت بأسامة وسامحته زي ما عملت ميت مرة مع مصطفى يمكن مكنتش وصلت للي أنا فيه دلوقتي ..
توقفت عن النحيب وقالت بإصرار وتحد لايتلائمان مع حالة الضعف التي شملتها وكأنها تُغالب نفسها حتى تتغلب على ضعفها أمامها :
_ بس لا غصب عنك وعنه هيساعدني وانت هركنك على الرف، مبقاش ليك لازمة في حياتي بعد كده ..
تجمدت دمعاتها عن الانهمار عندما توصلت إلي تلك النقطة، وتبدلت لمعة الحزن والانكسار في عينيها إلى بريق الانتقام بعدما قفزت تلك الفكرة داخل ذهنها، واستجمعت كُل طاقتها راغبة في تحويلها إلى دهاء .. وشر، فبدأت في وضع خطة ونسجت خيوطها في دقة ومهارة كأنها خيوط عنكبوت عتيق مجرب، وأمسكت هاتفه القديم بإصرار باحثة عن أرقام جميع المُتضررات ممن نصب شِباكه حولهن وأولاهن تلك المسكينة الفريسة التي سبقتها وشهدت هي تمزقها “آلاء حسن” .
وفي تلك اللحظة ابتسمت بغرور وكبرياء بعد أن خُيل إليها أن الذُباب قد وقع بين هذه الخيوط التي نسجتها، وتخيلت نفسها وهى تمتص دمه ..
*****************************
جمعتهما تلك الغرفة العتيقة من جديد بإنارتها البيضاء الخافتة المُختلطة بمثيلتها الصفراء الغير مُباشرة وأثاثها القديم المُحبب إلى قلبه حيثُ جلس هو على مقعده المفضل كما اعتاد دائمًا، بداخله فرحة غير مُعلنة لحديثهما الذى اشتاق إليه كثيرًا ولرؤية وجهها الذى احترق شوقًا للتطلع إليه، لكن رغمًا عنه تلك الفرحة سُرعان ما انكمشت داخله بخوف عندما لاحظ اصفرار وجهها وذبول ابتسامتها فلقد كان حزنها كبير حتى أحس وكأنه يكاد أن يبتلع عالمه كله ..
لم تنتظر هي سؤاله عن سبب لقائهما بمنزل والديها، فقد كانت تكفى تلك النظرة المُطلة من عينيه خوفًا عليها، تلك النظرة القلقة على حالها المُتسائلة على استحياء عن سبب شحوبها إلى تلك الدرجة دون أن تنطق شفتيه، لكنها ورغم إحساس الألم بداخلها ومن بين شقوق قلبها ابتسمت قائلة بخفوت :
_ كان معاك حق ياأسامة ..
ضيق أسامة عدستيه بتساؤل مُتمنيًا بداخله ألا يكون ذلك الأحمق قد خذلها إلى تلك الدرجة فهي لن تتحمل صدمة أخرى بحياتها، جاءته الإجابة على هيئة انكماش لابتسامتها بصورة تدريجية وهى تقول دون أن تنظر إليه على استحياء :
_ أنا محتاجة مساعدتك بس لو منفعش تساعدني فأنا مقدره ده ومش هلومك ..
نطق هو بدون تفكير قائلاً بحزم وكأنه قد اتخذ قراره من قبل :
_ من غير ما أعرف أنا معاكي وجمبك في أي حاجة تطلبيها ..
ثُم أضاف بصرامة وغضب :
_ أنا لازم أعرف عمل فيكي إيه الكلب ده وأنا اجبهولك تحت رجلك يترجاكي تسامحيه ..
رفعت شمس رأسها إليه بأعين حزينة منكسرة قبل أن تُجيبه :
_ عمري ماهسامحه ..
ثُم صمتت قليلًا قبل أن تُردف :
_أنا هحكيلك على كُل حاجة بس ماما وبابا ميعرفوش أي كلمة من اللي هقوله ده ولا أي حاجة من اللي هحتاجك معايا فيها ..
أرهف أسامة السمع إليها باهتمام مُبالغ غير مُصدقًا تلك الكلمات التي تخرج منها مُقتَلعة روحها قبل أن ينطق بها لسان حالها البائس، وبعد عدة دقائق من الحديث المسترسل اختنقت العبرات داخل مقلتيها وهى تسترجع ما توصلت إليه في داخل حاسوب زوجها الخاص لتقول بحسرة :
_ مسرقنيش أنا بس ياأسامة، مستغلنيش أنا بس، كان قبلي ضحايا كتير ويمكن أنا الوحيدة الأحسن حظ فيهم، ودلوقتي الدور عليا عشان يدمرني زي ما دمرهم ..
حاول جاهدًا أن يمنع يده من التحرك إليها ليُربت على خاصتها، لكنه قال مُطمأنًا بصدق :
_ محدش يقدر يأذيكي طول ما أنا موجود ..
رمقته بنظرة إتهام واضحة قائلة بنبرة مليئة بالقهر في نفس الوقت الذى تتابعت فيه انهمار دمعاتها بغزارة :
_ لا قِدر، قِدر يأذيني ويهددني ببنتي كمان، قِدر يحبسني ويسجني من غير ما حد يقوله تلت التلاتة كام، قِدر يقهرني على نفسي ويهيني ويجي على كرامتي، قِدر يخليني أعيش ليالي في عذاب وقهر، قِدر يخليني أصدقه هو وأكذبك انت، قِدر يخليني أجرحك وأتهمك وأشك فيك، قِدر يحولني لواحدة …………
دون أي مُقدمات وقبل أن تُكمل جملتها وجدته وقد وقف أمامها على بُعد عدة سنتيمترات منها يتطلع إليها بألم وحسرة قائلًا بضعف ينبع من داخله بعد أن تناسى كبرياؤه الذى حُطِم على يديها من قبل مِرارًا وتِكرارًا :
_ أنا آسف .. أنا آسف إني السبب في كُل اللي حصلك، آسف إني ممنعتكيش بالقوة من إنك تتجوزيه، آسف إني مفضلتش معاكي لما قولتيلي أبعد، آسف إني محاولتش احميكي منه وسبته يستفرد بيكي، آسف إني مدافعتش عنك لما حسيت إنك بتذبلي، آسف إني هربت، آسف على كل لحظه كابرت فيها وأديت لكرامتي الأولية على إني أعتذرلك .. آسف على إني أول شخص خذلك ..
قال جملته الأخيرة وولاها ظهره بعدما ازدادا غضبه الداخلي من نفسه في تلك اللحظة التي قفزت على ذاكرته جيداء والتي كانت مصدر الضوء الوحيد بحياته طوال الشهور الماضية فحاولت احتوائه بكُل كيانها ضامة يديه حول دفئها وكأنها كانت تشعر بأنه سيموت من دونها، هاهو يحس الآن ولأول مرة بقيامه بخيانتها وخُذلانها على عكس الوعود التي قطعها من قبل لها ولنفسه ..
في تلك اللحظة واثناء تفكيره بغيرها لم ير هو نظرة الاعجاب التي ملأت أعين شمس بعدما هالها اعتذاره والذى لم تكن تتوقعه منه بتلك الطريقة المؤثرة لكنها هي الأُخرى تحاملت على نفسها وتجاهلت قلبها الذى أراد انتهاز الفرصة للتحرر من سجنه بداخلها بعد أن اقسمت أن يُصبح هو عبدًا لها وليس العكس كما أعتاد، فتحركت من مقعدها واقفة مُحاولة موارية ضعفها وهي تقول بحزم مصطنع جاهدت لأجل إخراجه في صوت قوي ثابت وهى تقول :
_ أسامة أنا عاوزاك تكون معايا خطوة بخطوة عشان أقدر أدمره زي ما دمرني ودمر قبلي بنات كتير ..
*****************************
لم أكن أبدًا امرأة لا تغفر، ربما لم أتذوق مرارة الخُذلان إلى هذا الحد من قبل، لكن تجمعت الخيبات بداخلي حتى بِت أتوق لغزل نسيج الانتقام بدم بارد ..
أدَّعيت عفوي الكاذب لأُخدر ارتعادك من فقداني، بينما قضيت الليالِ بجوارك أحيك قمصان انتقامي على مهل وأنا أتطلع إلى ملامحك الكاذبة، لم أتعجل لارتداء ما صنعته يداي بل فضلت انتظار وقت قوتي حين تُصبح أنت الفريسة وأنا الصياد، ذلك الوقت عندما تستنكر ما آلت إليه نفسى، مُتناسيًا خذلانك الذى صنع مني ما أصبحت عليه الآن، جافلًا عن إهمالك لحقيقة هدوئي المصطنع جراء تساقط أقنعتك المزيفة أمامي بلا خجل واحدًا تلو الآخر، لكنك في النهاية لم تعِ أن تلك السَكينة بداخلي لم تكن إلا صبراً !!
حسناً فلتذُق مرارة الخيبات وأوجاع الخُذلان من جديد ..
اليوم هو موعد قدوم زوجها إلى المنزل عقب بضع أيام قضاها في ذلك الحبس المزري، فبعد عدة ساعات سيمتلأ المنزل من جديد برائحة دخانه وأنفاسه المختلطة بعطره الجذاب ..
ستراه أعلى فراشه يعبث بهاتفه وكأن شيئًا لم يحدث، ستُطالع تجعيدات وجهه كل صباح مرة أخرى، تلك العلامات التي طالما أحبتها، هي الآن تشعر بها مقيتة مُنفرة، يُصيبها الغثيان لمجرد تخيله يتحدث باثًا أشواقه الكاذبة إليها مُرددًا كلماته المعسولة والتي غازل بها العشرات من فتياته قبلها ..
حاولت إغماض عينيها بعد أن أسندت رأسها على مسند الأريكة التي استلقت عليها بجسد متشنج مُحاولة الاسترخاء قبل قدومه حتى تستطع إكمال ما بدأته ..
عليها الآن استرجاع خطتها منذُ البداية كي تُطمأن نفسها إلى اقتراب الهدف وسير الأحداث بطريقة منطقية لاتدع مجالًا للشك ..
ذهبت بذاكرتها إلى ذلك اليوم عندما سألها أسامة بقلق :
_ ناوية تعملي إيه ..
في تلك اللحظة بدت هي وكأنها تواجه جريمة من المُحال أن تُقابلها بالصفح والغفران والاستسلام، كان يجب أن تقاومها بالشر على غير عادتها، وأن تنتقم ممن أجرم في حقها، وقد كانت بحاجة لكل قواها وكل شرها وكل ذكائها، ولأول مرة كانت تشعر بتلك اللذة الناجمة عن الانتقام تتحدث بدلًا عنها لتقول بأعين لامعة :
_ الدور عليه عشان يتفضح زي البنات اللي فضحهم ..
صمتت قليلاً قبل أن تُوضح :
_ لو طلعت دلوقتي وقولت كل بلاويه محدش هيصدقني، وهو يعرف يثبت كويس أوي إنه فوق الشبهات وكده يبقى كُل حاجة راحت مني عشان كده لازم نلاعبه بنفس طريقته ..
تطلع إليها أسامة بنظرة لم تعتادها هي قبل أن يقول :
_ أول مرة أشوفك كده، انتي إيه اللي حصلك، متبقيش زيه، انتي كده بتدمري نفسك زي ما هو ….
قاطعته بحدة رغمًا عن رفض عقلها وفؤادها اللذان يؤيدانه في كل كلمة نطق بها، إلا انها قالت بثبات :
_ مش وقت تقطيم ولا مواعظ، أنا في دماغي خطة وهنفذها سواء ساعدتني أو لا ..
ثم أكملت بعد عدة لحظات من الصمت استعادت هي فيهم شغفها وبريق عينيها من جديد قائلة :
_ هنلبسه قضية قتل ..
اتسعت عيني أسامة بذعر مُعلقًا :
_ قتل ! لا انتي كدة أتجننتي رسمي وأنا مش هسمحلك أنك ..
إلا إنها ما لبثت أن قاطعته من جديد موضحة :
_ متقلقش أوي كدة، مش قتل حقيقي ..
لم تُعطه فرصة للاعتراض تلك المرة وأردفت بسرعة :
_ في واحدة نفسها تدوقه من نفس الكاس اللي سقهولها، زي ما طلعها مجنونة وبترمي جتتها عليه، والحقيقة إنه خدعها بكلامه الحلو وأوهمها بحبه لحد ما أخد اللي عاوزه منها وبعد كده دمرها ..
تساءل أسامة وعلامات الإشفاق تملأ وجهه :
_ مين دي وعمل فيها ايه ..
أجابته على الفور :
_ أسمها آلاء، واللي عمله فيها كتير هحكيلك عنه بعدين، المهم أنا عرفت أوصلها وجبت رقمها من موبايله القديم واتفقت معاها على كل حاجة ..
ثُم أضافت :
_ هتقابله في مكان مهجور وفاضي وتعمل نفسها إنها انتحرت بمسدس، ومتوقعش إنه هيساعدها وأكيد هيسيبها ويمشى، ساعتها انت تكون موجود قريب منهم أول ماتشوف عربيته اتحركت تروح تاخدها وتوديها في مكان تستخبى فيه لمدة أسبوع ..
وبعد الأسبوع ده بقى أخوها يروح يقدم بلاغ عن اختفائها ويتهم مصطفى …
علق أسامة بغير اقتناع :
_ وهو أي حد يتهم أي حد بيصدقوه من غير دليل ؟؟ وبعد كدة لما تظهر هتقول كانت فين طول المدة دي وهي عادى هتضحي بأخوها اللي ممكن يلبس قضية إزعاج السلطات أو بلاغ كاذب ..
نظرت إليه شمس قائلة وكأنها قد درست كل تفصيلة بخطتها التي حاكتها على مهل :
_ دي بقى مهمتك تشوفلنا مستشفى حكومي كدة فيها دكتور وطاقم تمريض ينفع تظبطهم، يشهدوا ويحضروا شوية تقارير وأشعة تثبت أنها عملت حادثة وفقدت الذاكرة أسبوعين تلاته تقضيهم في المستشفى لحد ما نقرر هتظهر امتى، وأخوها كدة كدة ميعرفش حاجة من اللي هيحصل ده والبلاغ بتاعه هيبقى بجد مش كاذب، واللي أكيد الشرطة هتقدر خوفه وقلقه على أخته بعد ما تظهر ومش هيتوجه ليه أي تهمة ..
ثم أضافت بشغف بعد أن ولته ظهرها :
_ إنما بقى الدليل اللي هيقبضوا بيه على مصطفى فأنا عاملة حسابه كويس أوي، أولًا أنت تظبطلنا المُحضر يقول إنه جه يبلغه بالمثول قدام النيابة وهو اعتدى عليه بالضرب ورفض استلام المَحضر فبالتالي الشرطة هتيجي تقبض عليه بنفسها وتاخده بالقوة وساعتها أبقى أنا مجهزة الدليل، بدلته اللي هيبقى لابسها يوم الجريمة والبالطو بتاعه واللي أكيد هيبقى عليهم أي حاجة تثبت إنها كانت معاه، ومعاهم منديله اللي هيبقى مليان دم ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)