متى يبان ضمور المخ عند الرضع معيارٌ يحددُ إمكانية تقديم الإسعافات الفورية لإنقاذ ذلك الطفل المصاب من ذبولٍ في دماغه وتداعياته الكارثية مع مرور الوقت. فالاكتشاف المبكر لضمور المخ عند الأطفال الرضع أو حديثي الولادة قد ينقذ حياتهم من تدهور خلايا دماغهم التي تقود وتنظم عمل جميع أجهزة جسمهم طيلة حياتهم. أو ينقذ من الوفاة في بعض الحالات.
يعد الدماغ المايسترو والقائد الذي يتحكم بكل وظائف الجسم بما فيها الحركة، والسمع والبصر، والإدراك، والتعلم، والذاكرة والوعي. فهل تتصورون كيف ستكون النتائج عندما يذبل أو يضمر هذا المايسترو نتيجة تعرض الرضيع لإصابة أو مرض ما قبل الولادة، أثنائها، أو بعدها؟ لعل الوقت سيكون الفاصل. فالاكتشاف المبكر قد ينقذ الأمر وإلا فقد يقف الأطباء مكتوفي الأيدي في المستقبل أو ربما سيكتفون ببعض العلاجات الفيزيائية. وتبقى الكلمة الأخيرة لأحدث الأبحاث العلمية.
متى يبان ضمور المخ عند الرضع
“إن طفلي الصغير لا يبتسم ولا ينتبه للأشياء أو الأصوات ولا يتفاعل معي”. هذا ما تقوله إحدى الأمهات وهي تشكو لطبيب الأطفال حالة رضيعها المصاب بضمور المخ.
غالبًا ما تظهر أعراض الإصابة بضمور المخ خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الرضيع. وتعد ملاحظة الأم ومراقبتها لطفلها العامل الأكبر في الاكتشاف المبكر لضمور المخ عند الأطفال الرضع. وتلعب العوامل المسببة للضمور الدماغي دورًا هامًا في موعد اكتشاف الأم والأطباء للإصابة. فعلى سبيل المثال إذا حدث العامل المسبب عند الولادة أو قبيلها كنقص الأكسجين أو انفصال المشيمة المبكر فمن المرجح أن يسرع الأطباء بعد الولادة لاكتشاف مدى إصابة الطفل حديث الولادة بضمور المخ وتقديم الغلوكوز أو الأكسجين على الفور لإنقاذ خلايا دماغ الرضيع من التدهور. ولكن إذا لم يبان ضمور المخ عند الولادة فقد تصبح النتائج أكثر سوءًا. وهنا فإن المسؤولية تقع على الأم من خلال مراقبة طفلها واستشارة الطبيب منذ أشهر الطفل الأولى. وغالبًا ما تكون الأمهات قادرة على اكتشاف علامات ضمور المخ بشكل واضح خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الرضيع.
كيف ومتى يبان ضمور المخ عند الرضع بالتشخيص
يرتبط تشخيص الضمور الدماغي عند الأطفال بموعد اكتشاف الإصابة أو ظهور علاماتها بعد الولادة. أما علماء جامعة أوريغون للصحة والعلوم في ولاية أوريغون بأمريكا فقد عززوا ارتباط الالتهابات التي تتعرض لها المرأة الحامل أثناء حملها بحدوث مشاكلٍ في نمو الدماغ لدى الجنين. وراحوا يكتشفون مدى وجود ضمور المخ عند الجنين ليشخصوا المرض خلال فترة الحمل، وذلك كل ثلاثة أشهر من خلال قياس مستويات السيتوكين إنترلوكين 6، أو IL-6 وهي عبارة عن علامات التهابية معروفة بدورها الوثيق في نمو دماغ الجنين.
لكن ماذا لو لم يكتشف أو يبان ضمور المخ قبل الولادة؟ وماذا لو حدث العامل المسبب أثناء الولادة؟ كيف ومتى سيكون التشخيص؟
تشخيص واكتشاف الضمور الدماغي بعد الولادة
ستبقى المهمة الأكبر على عاتق الأطباء عند الولادة في اكتشاف ضمور المخ أو تترتب المسؤولية على الأم لوحدها فيما بعد الولادة.
أما تشخيص ضمور المخ عند الرضع فتتولاه فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ لحديثي الولادة. كما تعكس معلومات التصوير المبكر مؤشراتٍ عن وظائف الدماغ بعد عامين تقريبًا من عمر الطفل، مما يخلق فرصة محتملة للبحث حول التدخل السريري المبكر، إذا لزم الأمر. وكثيرًا ما يشخص الضمور الدماغي خلال السنة الأولى من حياة الطفل. وعند الاشتباه بالإصابة يفضل الأطباء تصوير دماغ الطفل بالرنين المغناطيسي بشكل أكبر من التصوير المقطعي. وذلك لأنه أكثر أمانًا. ولكونه يعطي نتائج أكثر دقة.
علاوة على ذلك كثيرًا ما يلجأ الأطباء إلى اعتماد التحاليل الكيميائية المخبرية كتحليل اختلافات الأحماض الأمينية كمؤشر لحدوث اضطربات في الحركات الإرادية أو تغير في الوظائف الحيوية الأخرى.
أسباب ظهور ضمور المخ عند الرضع بعد الولادة
أكد باحثو علم الأعصاب السلوكي في كلية الطب بجامعة أوريغون على أهمية التركيز على كيفية تفاعل العوامل قبل الولادة وبعدها كالمجتمع والبيئة للتأثير على وظائف المخ والإدراك عند الأطفال حديثي الولادة.
بينما ترجع الأسباب الرئيسية لضمور المخ عند الرضيع قبل الولادة إلى إصابة أمه الحامل بالتهابٍ شديد أو عدوى فيروسية كالحصبة أو الجدري أو شلل الأطفال (إن لم تكن حاصلة على اللقاح في صغرها). ويبقى السؤال الأهم، ما هي أسباب ضمور المخ عند الولادة؟
ترجع الأسباب الرئيسة لضمور المخ عند الولادة إلى تغير مفاجئ في تدفق الدم لدماغ الجنين يؤثر سلبًا على تغذيته بالأكسجين والغلوكور اللازم لعمله، وذلك قد يحدث نتيجة أحد الأسباب التالية:
- الولادة المتعسرة التي قد تسبب نزيفًا في المخ عند الطفل.
- ولادة طفل بالتهاب في أنسجة المخ.
- التهاب السحايا وارتفاع درجة الحرارة لفترة.
- نقص في كمية السكر في الدم.
- تعرض الطفل أو أمه للملوثات كالرصاص.
- وجود الأمراض الوراثية المسببة لظهور ضمور المخ عند الرضع.
علامات وأعراض الإصابة بالضمور الدماغي
تشمل أعراض ضمور المخ عند الرضع ما يلي:
- غياب الابتسامة والمناغاة وعلامات الرفس بالأرجل المميزة للأطفال الرضع بعمر الثلاثة أشهر.
- يدفع الرضيع المصاب رأسه للخلف عدة مرات عند حمله.
- يجد الطفل المصاب صعوبة في رؤية أو فهم نتائج الأفعال أو الإجراءات.
- التأخر في الجلوس أو الزحف أو المشي مقارنة مع الأطفال الآخرين من نفس العمر.
- عدم القدرة على المص أو الرضاعة أو البلع أو المضغ، مع صعوبة التحكم باللسان.
- عدم القدرة على التوازن بحركات الرقبة والرأس.
- عند تبديل الحفاضات تحدث تقلصات غير طبيعية في ذراعي الطفل وساقيه.
- هيجان الطفل بشكل دائم يرافقه عدم استقرار النوم، (وجود هذه العلامة لوحدها غير كاف لتأكيد الإصابة).
- صعوبة التقاط الألعاب وصعوبة التحكم بحركات اليدين.
كيف يعالج ضمور المخ عند الأطفال حديثي الولادة
بالرغم من إمكانية علاج ضمور المخ البسيط عند الأطفال، إلا أنه عمومًا لم تتوصل الأبحاث العلمية الطبية إلى الآن للوصول لعلاج تام لضمور المخ عند الأطفال الرضع وحديثي الولادة. ولكن عادةً ما يقدم الأطباء بعض البروتوكولات العلاجية للأطفال المصابين بهذه الحالة. وأهم هذه الإجراءات:
- تقديم الغلوكوز والأكسجين بشكل سريع وفوري لحديثي الولادة المصابين لمنع تدهور أو تلف الخلايا الدماغية، وذلك إذا حدث العامل المسبب أثناء الولادة.
- وصف بعض الأدوية المخففة لنوبات الصرع والتشنجات والصداع.
- العلاج الفيزيائي لتحسين الأداء الحركي للطفل المصاب خلال مراحل نموه.
- العلاج النفسي بمساعدة الاختصاصيين لمساعدة الطفل على التواصل مع أقرانه في المجتمع والتأقلم في حياته الاجتماعية وتحسين حالته النفسية والمزاجية.
وختامًا مازالت الأبحاث العلمية حول أسرار الدماغ مستمرة إلى يومنا هذا للكشف عن الغموض الكبير في هذه الكرة الدفينة التي تتحكم في مصير وحياة الأطفال وآبائهم. فهل من علاجات في المستقبل القريب تنقذ حياة الأطفال الرضع من تداعيات الضمور الدماغي؟