التهاب الأعصاب الطرفية يشبهُ التلف أو التضرر الذي يصيب الكابلات التي تربط الأجزاء المختلفة من الكمبيوتر أو التي تتصل بالإنترنت، فعند تعطل هذه الكابلات تتعطل معها الوظائف المركزية عن العمل، وبالتالي يعد الاعتلال العصبي المحيطي من الأمراض المزمنة التي تصيب شبكة الأعصاب التي تصل لأطراف الجسم.
يتكون الجهاز العصبي من أعصاب الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي) الموصولة مع الأعصاب الطرفية الموجودة في أطراف الجسم كاليدين والقدمين وبعض الأجزاء الداخلية والفم والوجه. كما ترسل الأعصاب الطرفية الرسائل للجهاز العصبي المركزي وتستقبل منه الرسائل. لكن ماذا لو حدث عطل مفاجئ أو خلل في عمل الأعصاب الطرفية؟ وما هي تداعيات الخلل الحاصل على جسم المصاب؟ وكيف يمكن للطبيب إصلاح هذا العطل؟ كل ذلك ستتعرف عليه من خلال المقال التالي.
التهاب الأعصاب الطرفية أسباب وطرق علاج
ترسل الأعصاب الطرفية أنواعًا عديدة من المعلومات الحسية إلى الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي) على شكل رسائل. على سبيل المثال إحدى الرسائل يكون مفادها أن القدم باردة. كما تحمل الأعصاب الطرفية أيضًا إشاراتٍ من الجهاز العصبي المركزي إلى باقي أنحاء الجسم. أشهرها الإشارات المرسلة إلى العضلات لتخبرها بضرورة الانقباض عندما يقرر الشخص أن يتحرك.
إلا أنه هناك أنواعٌ مختلفة من الإشارات الأعقد التي تساعد في التحكم في الكثير من وظائف الأعضاء الهامة. ومنها القلب والأوعية الدموية، إلى وظيفة الهضم والتبول، والوظيفة الجنسية، وصولًا إلى العظام وجهاز المناعة.
عند الإصابة بالتهاب الأعصاب الطرفية تتعطل الإشارات العصبية في إحدى الأشكال الثلاثة التالية:
- فقدان الإشارات التي يتم إرسالها عادةً كعدم الشعور بالألم أو البرد أو الحرارة أو الإحساس بالأشياء بسبب تعطل الأعصاب الحسية الطرفية.
- إرسال إشارات غير مناسبة نتيجة التعطل في الأعصاب الحركية التي تحرك العضلات.
- الأخطاء التي تشوه الرسائل المرسلة وأخطرها تلك التي تصيب الأعصاب اللاإرادية المسؤولة عن تنظيم ضغط الدم أو وظائف البول.
لكن يبقى السؤال الأهم، ما الذي تسبب في إحداث هذه الأعطال؟
أسباب الاعتلال العصبي المحيطي
وفقًا للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية في أمريكا، لا يعد التهاب الأعصاب الطرفية مرضًا خلقيًا يولد مع الشخص، بل إنه مرض مكتسب.
وعادةً ما تكون الاعتلالات العصبية المكتسبة إما عرضية نتيجة اضطراب أو حالة مفاجئة أو مجهولة السبب. كما تشمل أسباب الاعتلال العصبي المحيطي ما يلي:
- الإصابة الجسدية (الصدمة) وهي السبب الأكثر شيوعًا. حيث يمكن أن تؤدي الإصابات الناجمة عن حوادث السيارات والسقوط والرياضة والإجراءات الطبية إلى تمدد الأعصاب الطرفية أو ضغطها أو فصلها عن الحبل الشوكي.
- يمكن أن يسبب كل من الضغوط النفسية والجسدية التهاب الأعصاب المحيطية.
- تسبب بعض الأمراض المزمنة التهاب الأعصاب الطرفية. ومنها مرض السكري الذي يلحق الأضرار بالأعصاب الحسية والحركية واللاإرادية. مما يسبب أعراضًا كالتنميل أو الوخز أو حرق القدمين أو الألم. من جهة أخرى يمكن أن تؤدي مشاكل الأوعية الدموية التي تقلل من إمداد الأعصاب المحيطية بالأكسجين إلى تلفها.
- تؤدي أمراض المناعة الذاتية الجهازية كمتلازمة الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي إلى الضغط على الأعصاب الطرفية. حيث يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ عددًا من أنسجة الجسم. ويمكن أن تستهدف الأعصاب مباشرة أو تسبب المشاكل عندما تضغط الأنسجة المحيطة على الأعصاب أو تحاصرها.
- تسبب الاختلالات الهرمونية كتلك الناتجة عن الخلل في الغدة الدرقية اضطراب عمليات التمثيل الغذائي الطبيعية. مما يؤدي إلى تورم الأنسجة التي يمكن أن تضغط على الأعصاب الطرفية.
- يمكن أن تؤدي اضطرابات الكلى والكبد إلى تراكم المواد السامة في الدم مما يتلف الأعصاب. كما يعاني الذين يخضعون لغسيل الكلى من مستويات متفاوتة من اعتلال الأعصاب المتعدد.
- تسبب بعض أنواع السرطان والأورام الحميدة التهاب الأعصاب الطرفية. حيث تتسلل الأورام أو تضغط على الألياف العصبية. كما تسبب عقاقير العلاج الكيميائي المستخدمة في علاج السرطان اعتلال الأعصاب.
- يمكن لاختلالات التغذية أو الفيتامينات كنقص فيتامين ب 12 أن تسبب التهاب الأعصاب الطرفية. كما ثبت أن العديد من الأدوية بالإضافة إلى إدمان الكحول والتدخين يمكن أن تسبب التهاب الأعصاب الطرفية.
طرق علاج التهاب الأعصاب الطرفية
تعتمد العلاجات كليًا على نوع التهاب الأعصاب وأعراضه وأسبابه ومكان الالتهاب. كما يمكن أن يسمح العلاج بالشفاء الوظيفي بمرور الوقت، طالما أن الخلية العصبية نفسها لم تموت.
ويمكن أن يؤدي تصحيح أسباب الالتهاب العصبي إلى تعافي الأعصاب أو تتجددها. أما أهم علاجات الاعتلال العصبي المحيطي فهي:
- يفضل الأطباء الكريمات واللصاقات التي توضع على الجلد (موضعيًا) بشكل عام لأنها تطبق خارجيًا وليس لها الكثير من الآثار الجانبية. كما يمكن أن تكون لاصقات أو كريمات الليدوكائين المطبقة على الجلد مفيدة للمناطق الصغيرة المؤلمة، مثل الآلام المزمنة الموضعية الناتجة عن اعتلالات الأعصاب الأحادية كمتلازمة النفق الرسغي، التي تصيب اليد والمعصم.
- تعالج بعض الأدوية التي يصفها الأطباء على شكل كابسولات الاعتلالات العصبية المؤلمة المزمنة عن طريق تهدئة الإشارات الزائدة. فيمكن استخدام المسكنات القوية للألم (المواد الأفيونية) إلا أنها قد تؤدي إلى الإدمان. كما يعد التابنتادول أحد أحدث الأدوية المعتمدة لعلاج الاعتلال العصبي السكري الذي له نشاط أفيوني ونشاط تثبيط إعادة امتصاص بإفراز مضادات الاكتئاب.
- يلجأ الكثير من الأطباء لوصف الكريمات الموضعية ذات التركيب الطبيعي كمركب الكابسيسين، وهي مادة توجد في الفلفل الحار والتي يمكن أن تزيل حساسية النهايات العصبية المؤلمة المحيطية. كما توفر اللصقات التي يضعها الطبيب والتي تحتوي على تركيزات أعلى من الكابسيسين راحة على المدى الطويل من آلام التهاب الأعصاب الطرفية.
- كثيرًا ما يلجأ الأطباء في علاج الحالات الشديدة لالتهاب الأعصاب الطرفية إلى إعطاء المصاب الحقن العضلية أو الحقن الموضعية التي تحتوي على الكورتيزون في أماكن الألم.
- الجراحة، حيث تعد الجراحة العلاج الموصى به لبعض أنواع الاعتلال العصبي المحيطي. فغالبًا ما يتم علاج ألم العصب ثلاثي التوائم على الوجه بتخفيف الضغط عن طريق جراحة الأعصاب. كما قد تتطلب إصابات العصب الواحد الناتجة عن الانضغاط أو الانغلاق أو الالتهابات الجراحة لتحرير الضغط على العصب. أما اعتلالات الأعصاب المتعددة التي تنطوي على مزيد من تلف الأعصاب المنتشر، مثل الاعتلال العصبي السكري فلا يساعدها التدخل الجراحي.
أعراض الاعتلال العصبي المحيطي
ترتبط أعراض التهاب الأعصاب الطرفية بنوع الأعصاب المصابة، أما أهم أعراض الاعتلال العصبي المحيطي فهي:
- يرتبط تلف الأعصاب الحركية بشكل شائع بضعف العضلات. حيث تشمل الأعراض تقلصات عضلية مؤلمة وتحزُّم (ارتعاش عضلي غير منضبط يظهر تحت الجلد).
- تظهر أعراض مختلفة عند تطور المرض كتلف الأعصاب الحسية من خلال اضطراب في وظائف هذه الأعصاب. حيث يضر تلف الألياف الحسية الكبيرة القدرة على الشعور بالاهتزازات واللمس، خاصة في اليدين والقدمين بالإضافة إلى تنميل اليدين والقدمين. وقد يشعر المصاب كما لو كان يرتدي قفازات أو جوارب. وقد يساهم هذا الضرر في فقدان ردود الفعل (مثل تلف الأعصاب الحركية). وغالبًا ما يؤدي فقدان الإحساس بالموضع إلى عدم قدرة الأشخاص على تنسيق الحركات المعقدة مثل المشي أو تثبيت الأزرار أو الحفاظ على توازنهم عند إغلاق أعينهم.
- قد تسبب الإصابة تضررًا في الألياف الصغيرة التي لا تحتوي على أغلفة المايلين، وهي طبقة واقية على امتدادات ألياف المحاور العصبية التي تنقل الإحساس بالألم ودرجة الحرارة، مما يسبب خللًا في الإحساس بالألم أو الحرارة.
- غالبًا ما تظهر آلام الاعتلال العصبي الأسوأ في الليل، مما يؤدي إلى اضطراب النوم. ويمكن أن يكون سببه إطلاق مستقبلات الألم تلقائيًا دون أي محفز معروف، أو بسبب صعوبات في معالجة الإشارات في النخاع الشوكي والتي قد تسبب للمريض الشعور بألم شديد من حركة خفيفة غير مؤلمة في العادة.
- يؤثر تلف العصب اللاإرادي على المحاور في اعتلالات الأعصاب ذات الألياف الصغيرة. وتشمل الأعراض الشائعة التعرق الزائد وعدم تحمل الحرارة وعدم القدرة على التمدد والتقلص في الأوعية الدموية الصغيرة التي تنظم ضغط الدم وأعراض الجهاز الهضمي.
- على الرغم من ندرتها، يعاني بعض الأشخاص من مشاكل في الأكل أو البلع إذا تأثرت الأعصاب التي تتحكم في المريء. كبعض أنواع من اعتلالات الأعصاب المحيطية، وأكثرها شيوعًا مرتبط بمرض السكري.
- تشمل الأنواع الشائعة من اعتلال العصب الأحادي البؤري كمتلازمة النفق الرسغي، التي تصيب اليد والمعصم، وألم الفخذ الذي يسبب تنميلًا ووخزًا في أحد الفخذين.
كيفية تشخيص التهاب الأعصاب الطرفية
غالبًا ما يجعل تنوع الأعراض التي يسببها التهاب الأعصاب الطرفية التشخيص صعبًا. ويشتمل تشخيص الاعتلال العصبي عادةً على:
- التاريخ الطبي للمريض، حيث يطرح الطبيب الأسئلة على المريض حول الأعراض أو العوامل المرتبطة بالمرض، كبيئة العمل، والعادات الاجتماعية، والتعرض للسموم، وتعاطي الكحول، وخطر الإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري.
- يشمل التشخيص الفحوصات الجسدية والعصبية. حيث يبحث الطبيب عن أي دليل على وجود الأمراض في جميع أنحاء الجسم التي يمكن أن تسبب التهاب الأعصاب أو تلفها، مثل مرض السكري.
- اختبارات سوائل الجسم كتحليل الدم، حيث يمكن أن تكشف اختبارات الدم المختلفة عن مرض السكري ونقص الفيتامينات واختلال وظائف الكبد أو الكلى واضطرابات التمثيل الغذائي الأخرى والالتهابات وعلامات اضطراب الجهاز المناعي.
- الاختبارات الفسيولوجية لوظيفة العصب، التي تقيس سرعة التوصيل العصبي (NCV) وقوة الإشارة وسرعتها على طول الأعصاب الحسية والحركية الكبيرة النوعية. ويستخدم الطبيب في هذا الاختبار مسبارًا يقوم بتحفيز الألياف العصبية كهربائيًا، والتي تستجيب عن طريق توليد النبضات الكهربائية الخاصة بها. بينما يقيس قطب كهربائي يوضع على طول مسار العصب سرعة إرسال الإشارة على طول المحور العصبي. حيث تميل معدلات النقل البطيئة إلى الإشارة لالتهاب أو تلف غمد المايلين، في حين أن انخفاض قوة النبضات عند السرعات العادية هو علامة على انحطاط المحور العصبي. كما يمكن أن يشير عدم القدرة على استنباط الإشارات إلى الاضطرابات الخطيرة.
- يتضمن تخطيط كهربية العضل (EMG) إدخال إبر دقيقة في عضلات معينة لتسجيل نشاطها الكهربائي أثناء الراحة والانقباض. حيث يختبر مخطط كهربية العضل التهيج والاستجابة، ويكشف عن النشاط الكهربائي العضلي غير الطبيعي في الاعتلال العصبي الحركي.
- يمكن لعدة أنواع مختلفة من الاختبارات اللاإرادية تقييم الاعتلالات العصبية المحيطية أو الطرفية التي تقيس القدرة على التعرق في عدة مواقع في الذراع والساق.
- التصوير الشعاعي للعضلات والأعصاب بالموجات فوق الصوتية تقنية تجريبية غير جراحية من خلال تصوير الأعصاب والعضلات لتشخيص العصب المقطوع أو العصب المضغوط.
- يمكن تنفيذ خزعة العصب بإزالة وفحص عصبًا حسيًا من أسفل الساق.
العلاجات الطبيعية لالتهاب الأعصاب الطرفية
وفقًا لأحدث الأبحاث العلمية، حلت بعض الإجراءات الأكثر تعقيدًا والأقل ضررًا مثل التحفيز الكهربائي للألياف العصبية الطرفية والوخز بالإبر الصينية وغيرها من العلاجات الطبيعية محل العمليات الجراحية والأدوية والمسكنات الكيميائية. أما أهم العلاجات الطبيعية المستخدمة في علاج الاعتلال العصبي المحيطي فهي:
- يعد التحفيز الكهربائي للأعصاب عبر الجلد (TENS) تدخلًا ينطوي على تحفيز العصب عن طريق الجلد. وينفذ عبر توصيل أقطاب كهربائية بالجلد في موقع الألم أو بالقرب من الأعصاب المرتبطة به ثم توجيه تيار كهربائي لطيف. وقد ثبت في بعض الدراسات أن التحفيز الكهربائي للعصب عبر الجلد يحسن أعراض التهاب الأعصاب الطرفية المرتبطة بمرض السكري.
- كثيرًا ما يصف الطبيب المختص المعالجة الفيزيائية لمرضى التهاب الأعصاب الطرفية من خلال تمارين تمدد الأعصاب والعضلات. كما ينصح بإجراء التدليك والكمادات الدافئة وتمارين العلاج الفيزيائي كبروتوكول علاجي متكامل. ولكن يجب تنفيذه تحت إشراف معالج محترف لتحقيق أقصى استفادة من جلسات العلاج.
- وفقًا لأحدث الأبحاث العلمية، يعد العلاج بلسع النحل من العلاجات المجدية والأقل ضررًا في حالات التهاب الأعصاب الطرفية.
وختامًا، لا بد من تقديم أهم وسائل الوقاية من التهاب الأعصاب الطرفية التي تتضمن عادات نمط الحياة الصحية كالحفاظ على الوزن الأمثل. بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي متوازن، وتصحيح نقص الفيتامينات وتفيذ التمارين الرياضية لتزويد النهايات العصبية البعيدة بالدم والأكسجين والعناصر الغذائية وتحسين قوة العضلات، والحد من ضمورها. كما يجب الإقلاع عن التدخين بشكل خاص لأن التدخين يضيق الأوعية الدموية التي تزود الأعصاب المحيطية بالمغذيات مما يؤدي إلى تفاقم أعراض الاعتلال العصبي المحيطي. وتبقى الوقاية خيرًا من قنطار علاج.