أرقام تكاليف الغذاء والمعيشة تقفز: هل تكفي 8 ملايين ليرة شهرياً للعيش في سوريا؟

أرقام تكاليف الغذاء والمعيشة تقفز: هل تكفي 8 ملايين ليرة شهرياً للعيش في سوريا؟ ,

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتاح سوريا، يجد المواطنون السوريون أنفسهم أمام تحد يومي للبقاء على قيد الحياة. فقد كشفت آخر الإحصائيات عن ارتفاع مرعب في أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث وصلت إلى 4.9 مليون ليرة سورية شهرياً لأسرة مكونة من خمسة أفراد. وهذا الرقم المروع يثير تساؤلات كبيرة حول قدرة الأسر السورية على تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل هذه الظروف القاسية.

وما يزيد الطين بلة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ليس إلا جزءاً من صورة أكبر وأكثر قتامة، فقد تجاوز الحد الأدنى لتكاليف المعيشة 8 ملايين ليرة سورية، وهو رقم يفوق إمكانيات الغالبية العظمى من السوريين. وهذا الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة يضع المواطن السوري أمام معادلة صعبة: كيف يمكن للمرء أن يؤمن لقمة عيشه في ظل هذا الواقع المرير؟

ارتفاع تكاليف الغذاء

وفي تقرير يكشف عن واقع الأسعار في سوريا، لوحظت تحولات دراماتيكية في سوق السلع الغذائية الأساسية. وفي خطوة لضمان الدقة وتجنب التأثيرات الموسمية، اعتمد التقرير على متوسط ​​أسعار شهر يونيو/حزيران، وبالتالي تجنب ارتفاع الأسعار المرتبط بعيد الأضحى.

في سوريا الأغنياء يحولون أموالهم إلى ذهب والفقراء يحركون الأسواق! (2)
سوريون يتسوقون لشراء الفواكه والخضروات في أحد أسواق دمشق. يعمل العديد من السوريين في وظيفتين لسد احتياجاتهم. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وفي مفارقة لافتة، كشفت صحيفة قاسيون السورية أن الخبز الحكومي بقي صامداً في وجه موجة الغلاء، محافظاً على سعره الرسمي ـ إذا تمكن المواطن فعلاً من الحصول عليه بهذا السعر ـ في حين لم تسلم بقية مكونات السلة الغذائية من شبح ارتفاع الأسعار، باستثناء الخضار، التي كانت الاستثناء الوحيد في هذا المشهد.

وفي تطور مفاجئ، سجلت أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.9 بالمئة، حيث انخفض سعر 75 غراماً من 12675 ليرة سورية نهاية مارس/آذار إلى نحو 12563 ليرة مطلع يوليو/تموز.

وفي الوقت نفسه، يكشف التحليل المتعمق لسوق الأغذية السورية عن صورة مختلطة تعكس التحديات الاقتصادية المعقدة التي يواجهها المستهلكون السوريون، حيث شهدت الحلويات زيادة كبيرة بنسبة 3.2 في المائة منذ مارس/آذار. وارتفعت تكلفة وجبة 112 جرامًا من الحلويات للشخص الواحد يوميًا من 8820 ليرة سورية إلى أكثر من 9100 ليرة سورية، مما يجعل هذه المتعة البسيطة عبئًا إضافيًا على الأسر السورية.

شهدت أسعار الجبنة، وهي من المواد الغذائية الأساسية على موائد السوريين، ارتفاعاً حاداً بنسبة 22.9%، حيث قفز سعر 25 غراماً منها من 875 ليرة سورية في مارس/آذار إلى 1075 ليرة في بداية يوليو/تموز، ما أثار علامة استفهام كبيرة حول قدرة المواطنين على الاستمرار في استهلاك هذا المصدر الغني بالبروتين.

لم تسلم البيض، وهي المادة الغذائية الأكثر شعبية، من موجة ارتفاع الأسعار، حيث يسجل ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 4.2 بالمئة، حيث ارتفع سعر 50 جرامًا من الخبز من 1333 ليرة في مارس/آذار إلى 1389 ليرة في يوليو/تموز، مما أضاف ضغوطًا على ميزانيات الأسر المتوترة بالفعل.

فاتورة غير متوازنة

من ناحية أخرى، شهدت أسعار الخضار انخفاضاً موسمياً ملحوظاً بنسبة 19.4 بالمئة، حيث انخفض سعر الحصة (65 غراماً) للشخص الواحد من 3350 ليرة سورية في نهاية مارس/آذار إلى 2700 ليرة في بداية يوليو/تموز. وهذا الانخفاض، وإن كان مؤقتاً، إلا أنه أتاح الفرصة أمام المستهلكين لزيادة استهلاكهم من الخضار الطازجة، ولو لفترة محدودة.

التطور المذهل الذي هز أسواق المواد الغذائية السورية هو أن الأرز – وهو الغذاء الرئيسي على موائد ملايين السوريين – شهد ارتفاعاً هائلاً في الأسعار بنسبة 48.6%. وقد أدى هذا الارتفاع الحاد إلى رفع سعر الحصة اليومية البالغة 70 غراماً من 1036 ليرة سورية إلى 1540 ليرة.

وفي مشهد مثير للقلق بنفس القدر، سجلت أسعار الفواكه الموسمية ــ المصادر الغنية بالفيتامينات والألياف ــ زيادة حادة بلغت 36.4 في المائة.

وارتفعت حصة الفرد اليومية من الفاكهة، التي تبلغ 60 غراماً، بشكل كبير من 2933 ليرة في أواخر مارس/آذار إلى 4000 ليرة في بداية يوليو/تموز. وتهدد هذه الزيادة الضخمة بتحويل الفاكهة من ضرورة غذائية إلى رفاهية قد لا تتمكن شرائح كبيرة من المجتمع من تحمل تكلفتها.

تكلفة المعيشة تجاوزت 8 ملايين جنيه

تجاوز الحد الأدنى لتكاليف المعيشة حاجز الـ8 ملايين ليرة سورية، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً بلغ 8 ملايين و148 ألفاً و347 ليرة سورية، ويأتي هذا الارتفاع الضخم في ظل ثبات الحد الأدنى للأجور عند 278 ألفاً و910 ليرة سورية -أي ما يعادل أقل من 19 دولاراً أميركياً شهرياً- وهو ما يوضح اتساع الفجوة بين الدخل والإنفاق.

سوريون ينظرون إلى نافذة متجر للحلويات في دمشق، تم تزيينها خصيصا لشهر رمضان المبارك، عندما يصوم الناس من الفجر إلى الغسق. (تصوير: لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وبحسب التقرير الصحفي ذاته، فقد ظهر في بداية يوليو/تموز 2024 قفزة هائلة في متوسط ​​تكلفة معيشة الأسرة السورية، حيث سجلت هذه التكاليف ارتفاعاً صاروخياً قدره 537.489 ليرة سورية مقارنة بنهاية مارس/آذار من العام نفسه، لتصل إلى رقم فلكي قدره 13.037.356 ليرة.

سجل الحد الأدنى لتكلفة المعيشة للأسرة قفزة كبيرة بلغت 335.930 ليرة سورية خلال الربع الثاني من عام 2024. ودفع هذا الارتفاع الحاد إجمالي التكاليف من 7.812.417 ليرة سورية في نهاية شهر آذار/مارس إلى 8.148.347 ليرة سورية في بداية الشهر الجاري، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 4.3 بالمئة خلال ثلاثة أشهر فقط -وهي نسبة تتجاوز نسبة 3.7 بالمئة المسجلة في الربع الأول من العام.

كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، من 4,687,450 ليرة سورية إلى 4,889,008 ليرة سورية شهرياً لأسرة مكونة من خمسة أفراد، وهذه الأرقام مبنية على متوسط ​​الأسعار في الأسواق الشعبية في دمشق.

ولم تسلم بقية مكونات السلة المعيشية من شبح ارتفاع الأسعار، إذ سجلت تكاليف الاحتياجات الأساسية الأخرى -التي تشكل 40% من إجمالي تكاليف المعيشة- ارتفاعاً بنسبة 4.3%، من 3,124,967 ليرة سورية إلى 3,259,339 ليرة سورية، ويشمل هذا الارتفاع الشامل تكاليف السكن والنقل والتعليم والصحة.

هذه الأرقام غير المنطقية ترسم صورة قاتمة للحياة في سوريا، وتثير تساؤلات ملحة حول مستقبل ملايين السوريين في ظل هذا التدهور المستمر في القدرة الشرائية. فهل نحن أمام انهيار وشيك للنسيج الاجتماعي والاقتصادي في البلاد؟