لدينا مسرحيات تتهم ناطق “الفصحى” بالتقعر.. ومدارس تحظر “العامية” على تلاميذها بالبيوت (حوار) ,
>> أسر مصرية تتفاخر بدخول أبنائها المدارس الأجنبية… الاستعمار الناعم
>> لا ينبغي أن نحارب “العامية المصرية” لأنها لغة حياتنا
>> الصين واليابان تستخدمان لغتهما، وليس الإنجليزية، لكننا “نشعر بخيبة أمل”
>> تفضيل اللغات الأجنبية يهدد المجتمعات ويخلق التمييز الطبقي
>> هناك خريجي التعليم العالي لا يعرفون الكتابة
>> اللغة العربية تحيا بالاستخدام لا بالإهمال
>> اللغة “عربيزية-فرانكو-عربية” تهدد بقاء اللغة بين الشباب
>> على العرب أن يوحدوا خطابهم… اللغة العربية كانت اللغة الأولى في العالم منذ 700 عام
>> يرسل لنا بعض القضاة رسائل حول وصية لا يمكنهم تفسير أهميتها الحقيقية
احتفل العالم في 18 ديسمبر/كانون الأول باليوم العالمي للغة العربية منذ إدراجها كلغة رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، ولكن مع كل احتفال نتساءل عن سر تراجع اللغة العربية بحسب المتحدثين بها. الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، يكشف في حوار لـ”فيتو” عن دور المجمع في الحفاظ عليه، وأهم التحديات التي يواجهها في الوقت الحاضر، وخطورة الاستهانة به، و وأشياء أخرى…ونص المقابلة:
*ماذا تحتاج اللغة العربية في الوقت الحاضر غير الاحتفال بها؟
فلا يمكن أن نحتفل باللغة العربية في يوم واحد ثم نفقد الاهتمام بها أكثر من 360 يوما. يجب أن يكون الاهتمام حاضراً في كل زمان ومكان، إذا أردناه أن يستعيد كيانه ووجوده، ويكون على ألسنة المتحدثين وعلى أقلام الأدباء والمبدعين، ويكون على لافتات الطرق وفي المؤسسات. التي تصدر وثائقها بلغة أجنبية. إذا أردنا أن تبقى اللغة العربية، فإن اللغة تبقى بالاستخدام، وليس بالإهمال.
ومن أهم المؤسسات التي يجب أن تهتم باللغة العربية هي المدارس أولاً وليس المنزل. منذ دخول الطالب المدرسة يتم الاحتفاء باللغات الأجنبية، خاصة إذا كانت مدارس دولية وتجريبية، حيث ينشأ جيل جديد يسمع اللغة العربية في فصله فقط، ويستمع إلى اللغة الأخرى في جميع الفصول. فالدراسة مثلا تعلمه التاريخ والجغرافيا والعلوم باللغات الأجنبية. وفي أحيان أخرى، تمنع المدارس الطلاب من استخدام اللغة العربية العامية، وتهدد أولياء أمورهم بمنع أطفالهم من التحدث بها، ليس فقط في المدرسة، بل في المنزل أيضًا.
*هناك العديد من الأسر المصرية التي تفتخر بدخول أبنائها المدارس الأجنبية. فهل يعتبر هذا شكلاً جديدًا من أشكال الاستعمار الثقافي؟
إنه بالطبع استعمار ناعم، ولا بد أولاً من الإشارة إلى أمرين. الأول هو أننا لا نكافح ضد تعلم اللغات الأجنبية. بل يجب أن نعلم أطفالنا تعليماً عالياً يجعلهم قادرين على التعبير والكتابة بها، لأن اللغات الأجنبية لها مردود علمي كبير يعتمد على التقدم الكبير الذي حققته. دول هذه اللغات ولكن هناك فرق كبير بين تعلم لغة أجنبية والتفوق فيها وبين تعلم لغة أجنبية فهي وسيلة التعلم لجميع العلوم ماعدا اللغة العربية.
أما الثاني فإذا تعلمنا لغة أجنبية فهذا يفتح لنا أبواب العمل فيما بعد. يقول الناس إن اللغة العربية لا تمكنهم من العمل في مجالات ذات مستوى اجتماعي رفيع، مثل العمل في الإعلام والبنوك والسياسة وغيرها. كما أننا إذا حرصنا على تعلم اللغة العربية فإننا لا نحارب لغة. اللغة العامية المصرية، لأنها لغة حياتنا، ويجب أن نعي أن كل شعب ينتمي إلى لغته في المقام الأول.
* وكيف يؤثر ذلك على هويتنا العربية والإسلامية؟
إهمال اللغة العربية يؤثر علينا على المدى الطويل. ومن يدرس في المدارس الأجنبية يعرف الأدب والشعر والفنون الفرنسية مثلا أكثر من اللغة العربية، ويعرف التاريخ الإنجليزي ما لا يعرفه من التاريخ العربي والإسلامي والقبطي والفرعوني، وقد يكون بعض ما يخص وطنه قدمت له.
لكن التركيز الأساسي ينصب على ما يقدم بلغة صاحب البلد الذي جاءت منه هذه اللغة. يرتبط الطالب بأفكار وتاريخ وثقافة وسياسة بلد غير وطنه، وهذا قد يخلق مجتمعات منفصلة عن هويتها وجنسيتها، وينظرون إلى اللغة العربية بازدراء، وقد رأينا ذلك أحياناً في الأفلام والمسرحيات الساخرة. في المدارس العربية ومن يتحدثون العربية الفصحى، واتهامهم بالازدراء والتاريخ الماضي والسلفية التاريخية، وعدم القدرة على مواكبة الحياة الحديثة.
ويؤدي ذلك إلى وجود فئات اجتماعية تتميز من حيث الطبقة والثقافة والوظيفة عن نظيراتها إذا اقتصرت على تعلم اللغة العربية. وهذا يشكل خطرا بعيد المدى على مستوى الوطن العربي برمته لأن اللغة العربية ليست لغة مصر وحدها، وقد يصل الأمر إلى التشرذم والتشتت داخل البلد الواحد. فهي اللغة التي توحد كل العرب.
*من وجهة نظرك ما هي التحديات التي تواجه اللغة العربية في الوقت الحاضر؟
تسترشد اللغة الآن بالتكنولوجيا الحديثة. اللغة التي يستخدمها الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي هي لغة هجينة، خليط من العامية والأرقام والحروف والكلمات الإنجليزية. نحن نسميها اللغة “العربيزي-الفرانكو-عربي”. وهذا يهدد اللغة العربية ويضعفها لعدم استعمالها، ويهدد لغة الأجيال لعدم إلمامها بها. بلغتهم الفصيحة نجدهم خريجي تعليم عالي ولا يعرفون الكتابة. كما أن اللغات تتنافس الآن على أن يكون لها حضور على المستوى العالمي، وذلك من خلال وجود محتوى ثقافي وعلمي وحضاري على شبكة المعلومات العالمية وأجهزة الكمبيوتر. العالم كله يقرأ باللغة الإنجليزية ويستفيد منها، لكن إذا نظرنا نجد الصين واليابان يستخدمان لغتهما، وليس الإنجليزية، بل معنا فقط لأننا “خيبنا أملنا” رغم المحصول الفكري والإبداعي العربي الضخم، ويجب علينا وتطويع هذه التكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، لخدمة لغتنا كما فعلت الدول الأخرى، لأنه حقا حق من حقوق الإنسان العربي.
*كيف يمكن استعادة لغتنا العربية؟
ويجب على الدولة أن تصدر القوانين والتشريعات مع الالتزام بتنفيذها، للحفاظ على لغتنا العربية وحمايتها من العولمة الثقافية التي أرادت أمريكا أن تغزو العالم بها، لتكون اللغة الوحيدة التي يلجأ إليها كل الناس. وعلينا أن نهتم بذلك حتى نحافظ على حضارتنا ومستقبلنا، ويجب أن يكون لدينا الشعور بالانتماء إلى لغتنا، ويجب على جميع العرب أن يوحدوا كلمتهم، فاللغة العربية كانت اللغة الأولى في العالم منذ 700 عام.
*أخيراً ما دور مجمع اللغة العربية في الحفاظ عليها؟
مجمع اللغة العربية مجمع علمي وبحثي، وظيفته الدفاع عن اللغة العربية، وتسهيل سبل تعلمها، واستكشاف أعماقها وتاريخها، وتقديم عبقريتها للعالم أجمع. ومن مهامها إصدار القواميس، ولدينا الآن أكثر من نصف مليون مصطلح أنتجتها الأكاديمية، لكن لا أحد يستطيع الاستفادة منها لأنه لا أحد يستخدمها.
وتضم الأكاديمية 40 لجنة علمية أو أكثر، منها تلك في الكيمياء، والطب، والهندسة، والذكاء الاصطناعي، والبيئة، والأنثروبولوجيا، والشريعة الإسلامية، وغيرها، لتهيئة البيئة لإمكانية الانتقال من التعلم باللغة الإنجليزية إلى العربية. ومن مهام المجمع أيضًا تعليم الناس ما يجب السؤال عنه، حيث يستقبل موقع المجمع “الفتاوى اللغوية”. ويجيبهم، ويرسل لنا أكثر من 2000 سؤال، ويوجه إلينا رسائل من القضاة الذين لديهم مشاكل في الوصية، على سبيل المثال، مكتوبة بلغة معينة. ولا يستطيع القاضي أن يوضح المعنى الحقيقي لهذه الوصية، فيرسلها إلينا، ونوضح له المعنى المقصود، بينما يبحث عن الحكم المناسب لها. .
وبالإضافة إلى عقد الندوات والمشاركة في معارض الكتب، لدينا تقليد سنوي على مدى 10 سنوات في تكريم الهيئات والمؤسسات التي تهتم باللغة العربية، وسنكرم هذا العام إذاعة القرآن الكريم والمسرح الوطني.
الحوار مقتبس من النسخة الورقية لمسلسل “الفيتو”.