التخلص من اضطراب الوسواس القهري نهائيا، أمل يتشبَّث به مرضاه. فعلى الرغم من اختلاف أنواع الوسواس القهري، إلَّا أن معظم أعراضه مشكلة تعيق حياة هؤلاء الأشخاص. جميعنا يعرف تلك اللحظات التي نتأكَّد فيها من بعض الأشياء كإقفال الأبواب أو إطفاء الأنوار؛ حتَّى أننَّا نشعر بالقلق في بعض الأحيان. تخيل إذًا حجم معاناة مريض الوسواس القهري الذي يشعر بالحاجة إلى تكرار الأفعال بشكلٍ مفرطٍ، بصرف النظر عن وساوسه الأخرى. بالتأكيد إنَّ الأمر مربكٌ جدًا، ويجب عدم التردُّد في طلب المساعدة الطبية خجلًا أو خوفًا. لكن، هل يمكن التخلص من اضطراب الوسواس القهري نهائيا؟ هذا ما سنجيب عنه في مقالنا التالي من موقع طلاب نت، لذا تابع القراءة.
ما هو اضطراب الوسواس القهري
اضطراب الوسواس القهري (OCD) هو حالة نفسية مزمنة وطويلة الأمد، يكون فيها لدى الشخص المصاب وساوس أو سلوكيات قهرية لا يمكن السيطرة عليها. تجعل الشخص يشعر بالحاجة إلى فعلها مرارًا وتكرارًا، حتَّى يشعر بالراحة. في معظم الأحيان، يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من أعراضٍ مختلفةٍ. قد تتطور مع مرور الوقت؛ إلا أن الأطباء عادةً ما يصنفونها في فئاتٍ محددةٍ.
أسباب اضطراب الوسواس القهري
إن أسباب اضطراب الوسواس القهري غير واضحة. مع ذلك قد تلعب بعض العوامل دورًا في الإصابة بالوسواس القهري، بما في ذلك:
- تاريخ العائلة: إذ من المُحتمل أن يصاب الشخص باضطراب الوسواس القهري، إذا كان أحد أفراد العائلة مصابًا به.
- الاختلافات في الدماغ: حيث لوحظ أن لدى الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري مناطق ذات نشاطٍ مرتفعٍ بشكلٍ غير طبيعي في دماغهم أو مستويات منخفضة من مادة كيميائية تسمى السيروتونين.
- الشخصية: إن الأشخاص الدقيقين والأنيقين والمنهجيِّين في حياتهم، أكثر عرضةً للإصابة باضطراب الوسواس القهري. كذلك الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الشعور القوي بالمسؤولية تجاه أنفسهم والآخرين.
- أحداث الحياة: الوسواس القهري أكثر شيوعًا عند الأشخاص الذين تعرضوا لأحداثٍ مؤلمةٍ كالإساءة أو الإهمال أو التنمر. قد يحدث أيضًا بعد حدثٍ هامٍ في الحياة كالولادة.
شاهد أيضًا: انفصام الشخصية عند المراهقين أعراض ومخاطر
التخلص من اضطراب الوسواس القهري نهائيا
قد لا يمكن التخلص من اضطراب الوسواس القهري نهائيا، إلَّا أنَّ العلاج يساعد في السيطرة على الأعراض حتَّى لا تتحكَّم بحياة الشخص اليومية. العلاجات الرئيسيان للوسواس القهري، هما العلاج النفسي والعلاج بالأدوية. غالبًا ما يكون العلاج أكثر فعاليةً عند الجمع بين هذين النوعين.
التخلص من اضطراب الوسواس القهري بالعلاج النفسي
عادةً ما يكون التخلص من اضطراب الوسواس القهري بالعلاج النفسي، نوعًا من العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، الذي ينطوي على ما يلي:
- العمل مع المعالج النفسي على تقسيم المشاكل إلى أجزاء منفصلة مثل الأفكار والأفعال والمشاعر الجسدية.
- تشجيع مريض الوسواس القهري على مواجهة المخاوف والوساوس بدلًا من إبطال مفعولها بالسلوكيات القهرية. ويبدأ العلاج أولًا بمواجهة أفكار تسبب قلقًا أقل، قبل الانتقال إلى أفكارٍ أكثر صعوبةً.
التخلص من اضطراب الوسواس القهري بالأدوية
إن لم يساعد العلاج النفسي في علاج اضطراب الوسواس القهري، أو كان اضطراب الوسواس القهري شديدًا إلى حدٍ ما، فقد يحتاج المريض إلى الدواء. الأدوية الرئيسية المستخدمة في التخلص من اضطراب الوسواس القهري هي نوع من مضادات الاكتئاب تدعى “مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI)”. تساعد هذه الأدوية في تحسين أعراض الوسواس القهري عن طريق زيادة مستويات مادة السيروتونين في الدماغ. وقد يحتاج المريض إلى تناول “مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية” لمدة 12 أسبوعًا قبل ملاحظة أي تحسنٍ.
شاهد أيضًا: فوبيا النخاريب أسبابها وأعراضها وطرق علاجها
مدة علاج الوسواس القهري نهائيا
يحتاج مرضى الوسواس القهري المعتدل إلى 10 ساعاتٍ من العلاج النفسي، إلى جانب ممارسة التمارين في المنزل بين الجلسات. بينما يحتاج مرضى الوسواس القهري الشديد إلى فترة علاجٍ أطول للتخلص من اضطراب الوسواس القهري. أمَّا العلاج بالدواء قد يستغرق مدة عامٍ على الأقل. حيث يحتاج بعض الأشخاص إلى تناول “مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية” لسنواتٍ عديدةٍ. من المهم جدًا عدم التوقف عن تناول الأدوية دون استشارة الطبيب، لأنَّ التوقف المفاجئ قد يسبب آثارًا جانبيةً غير سارةٍ أبدًا.
الآثار الجانبية لأدوية علاج الوسواس القهري
تشمل الجانبية المحتملة لمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية للتخلص من اضطراب الوسواس القهري ما يلي:
- الشعور بالاضطراب أو القلق.
- الشعور بالمرض.
- الدوخة.
- الإمساك أو الإسهال.
- الأرق.
- الصداع.
- انخفاض الرغبة الجنسية.
- أفكار انتحارية أو إيذاء النفس (احتمال ضئيل جدًا).
تتحسَّن معظم الآثار الجانبية للدواء بعد بضعة أسابيعٍ حيث يعتاد الجسم على الدواء، بينما يمكن أن يستمر البعض الآخر.
شاهد أيضًا: رهاب النخاريب كيفية التخلص من فوبيا النخاريب
أنواع الوسواس القهري
هناك أنواع عديدة من اضطراب الوسواس القهري، إلا أنَّ معظم الحالات تندرج ضمن واحدة على الأقل من هذه الفئات الشائعة:
- التنظيم والترتيب: أكثر أنواع الوسواس القهري شيوعًا، يقضي فيه المصابون به وقتًا طويلًا في ترتيب الأشياء بطريقةٍ معينةٍ أو متماثلةٍ. على سبيل المثال، قد يشعر الشخص بحاجةٍ إلى إبقاء كل شيء على مكتبه أنيقًا ومرتبًا تمامًا.
- التَّلوث: يدور هذا النوع حول فكرتين عامتين الأولى هي الخوف من الجراثيم وأنواع التلوث الأخرى، والحاجة إلى غسل اليدين وتنظيف الأشياء بشكلٍ متكررٍ، الأمر الذي يدفعهم أيضًا الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء. أمَّا الفكرة الثانية فهي أنَّ بعض الأشياء والأفكار والكلمات اليومية يمكن أن تلوث الإنسان.
- التحقُّق: يشعر الشخص في هذا النوع بالقلق من إلحاق الضرر بسبب الإهمال. لذلك يضطر للتحقق من شيء ما عدة مراتٍ كفحص الأبواب، أو الأفران أو التحقق من مفاتيح الإضاءة للتأكد من أنَّها مقفلة.
- الأفكار التطفلية: غالبًا ما تكون هذه الأفكار مؤلمةً وبغيضةً، كإيذاء أحد أفراد الأسرة، أو إلحاق الضرر بشخصٍ غريبٍ. إلا أنَّ الأشخاص الذين يكون لديهم مثل هذه الأفكار لا يتفقون معها ولا يتصرفون وفقًا لها، وتكون متناقضةً جدًا مع شعورهم في الواقع.
- اجترار الأفكار: يتشابه هذا اجترار الأفكار مع الأفكار التطفلية، لكن هناك بعض الاختلافات الرئيسة. فالأفكار التي تعلق في رأي الشخص في هذا النوع غير مؤلمة أو مثيرة للاشمئزاز. بدلًا من ذلك، قد تكون أفكارًا فلسفيةً أو دينيةً (أسئلة ليس لها إجابات مثبتة).
شاهد أيضًا: القلق المرضي وما تحتاج إلى معرفته
أعراض الوسواس القهري
يؤثر الوسواس القهري على الأشخاص بشكلٍ مختلفٍ، لكنَّه يتسبَّب عادةً في نمطٍ معينٍ من الأفكار والسلوكيات، التي تعيق الحياة، وتتطلب التخلص من اضطراب الوسواس القهري. تتمثل أعراض الوسواس القهري بثلاثة عناصر رئيسية على النحو التالي:
- الهواجس: وهي أفكار غير سارة أو مرغوبة به تهيمن على تفكير الشخص وتزعجه في كثيرٍ من الأحيان، مثل:
- الخوف من إيذاء النفس أو الآخرين عمدًا، كالخوف من مهاجمة شخصٍ آخر.
- الخوفُ من إيذاء النفس أو الآخرين من دون قصدٍ، كالخوف من إحداث حريقٍ في المنزل بسبب ترك الموقد قيد التشغيل.
- الخوف من الإصابة بمرضٍ أو عدوى أو التلوث بمادةٍ كريهةٍ.
- الحاجة إلى الترتيب والتنظيم، كالتأكد من أنَّ جميع الملصقات على العلب متوجهة بنفس الطريقة.
- السلوكيات القهرية: هي سلوكيات وأفعال متكررة يندفع الشخص لأدائها بسبب لتقليل القلق الناجم عن الوسواس القهري مثل:
- التنظيف وغسل اليدين بشكلٍ متكررٍ.
- فحص الأبواب المقفلة أو التأكد من إطفاء الغاز.
- ترديد الكلمات في الرأس.
- الادخار.
- تجنب الأماكن والمواقف التي تثير الوساوس.
- العواطف: حيث يتسبب الوسواس القهري في الشعور بالضيق أو القلق الشديد.
شاهد أيضًا: نقص الحديد في الجسم أعراض وأسباب
تشخيص اضطراب الوسواس القهري
لا يوجد اختبار لتشخيص الوسواس القهري، حيث يتمُّ التشخيص بعد السؤال عن الأعراض؛ بناءً على عوامل محددة تشمل ما يلي:
- يعاني الشخص من وساوس أو سلوكيات قهرية أو كليهما.
- تستغرق الوسواس أو السلوكيات وقتًا طويلًا (أكثر من ساعةٍ في اليوم).
- تتسببَّ الوسواس أو السلوكيات في الشعور بالضيق، أو قد تؤثر على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو العمل أو أحداث الحياة الأخرى.
- لا تظهر الأعراض بسبب المخدرات أو الكحول أو الأدوية أو أي مشكلة طبية.
- لا ترتبط الأعراض باضطرابٍ عقلي آخر مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الأكل.
مضاعفات الوسواس القهري
من الضروري بدء العلاج للتخلص من اضطراب الوسواس القهري، حيث يمكن أن تؤدي مضاعفات الوسواس القهري إلى ما يلي:
- اضطراب في العلاقات الاجتماعية، حيث يجد الأشخاص صعوبةً في التعامل مع مرضى الوسواس القهري.
- عدم القدرة على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، أو الذهاب إلى العمل، أو المدرسة.
- أفكار أو سلوكيات انتحارية.
- مشاكل صحية مثل التهاب الجلد بسبب غسل اليدين بشكلٍ متكررٍ.
- تدني نوعية الحياة بشكلٍ عام.
- أداء الشعائر والطقوس بشكلٍ مفرطٍ.
شاهد أيضًا: اضطراب الشخصية الفصامية أعراض وطرق علاج
نصائح للتعامل مع مريض الوسواس القهري
قد يكون التعامل مع مريض الوسواس القهري أمرًا صعبًا جدًا، إلا محاولة دعمه وفهمه يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. فيما يلي بعض النصائح للتعامل مع مريض الوسواس القهري:
- تحلَّى بالصبر، وتذكر أن مخاوفهم حقيقة حتَّى لو بدت لك غير واقعية أو غير منطقية أو متطرفة.
- قد يكون من المزعج أن تسمع بعض أفكار الوسواس القهري. مع ذلك، لا تظهر الصدمة ولا تطلق حكمًا عليهم؛ لأنَّ هذا سيقلِّل من احتمال مشاركاتهم لأفكارهم ومشاعرهم معكَ في المستقبل.
- حاول أن تتعلم قدر الإمكان عن الوسواس القهري؛ سيساعدك هذا على فهم ما يمرُّ به الشخص المُصاب بشكلٍ أفضل.
- شجُّعه على تحدي السلوكيات القهرية، أو قدم عماقًا أو دعمًا عاطفيًا طويلًا، بدلًا من تقديم الطمأنينة أو مساعدتهم على تنفيذ هذه السلوكيات؛ لأنَّ المساعدة لن تكون مفيدةً على المدى الطويل. مع ذلك، تقبَّل في بعض الأحيان سيكون من المستحيل عدم تقديم الطمأنينة أو المساعدة.
- يمكن طلب النصيحة من الطبيب المعالج إذا كان المريض يتلقى علاجًا.
- إذا وجد المريض صعوبةً في التحدث مع الطبيب أو التماس العلاج، ذكره أنَّ الطبيب موجود لمساعدته، أو يمكن أن تساعد مرافقته في تسهيل الأمور.
- قد تكون بعض أجزاء العلاج صعبةً، وقد يصبح الشخص مكتئبًا أو متعبًا أو هائجًا؛ اسأل عمَّا يمكن فعله لتجاوز هذا الوقت الصعب.
شاهد أيضًا: ما هو مرض التوحد وما هي أسبابه
ختامًا، قد لا يمكن التخلص من اضطراب الوسواس القهري نهائيا، لكنَّ هذا لا يعني عدم التماس المساعدة الطبية. حيث يساعد العلاج في السيطرة على أعراض أنواع الوسواس القهري التي تؤثر الحياة اليومية سلبًا، بما في ذلك العمل أو الدراسة. ولا ننسى أنَّ الدعم المعنوي لمرضى الوسواس القهري من قبل المحيط، لا يقلُّ أهميةً عن العلاج.