“لا مخرج” من قبضة الاحتكار في سوريا: حكومة عاجزة أم لعبة مقصودة؟ ,
ويعد الاحتكار أحد أهم العوامل التي تفاقم هذه الأزمة، حيث يتحكم قلة من التجار بموارد السوق ويفرضون أسعاراً باهظة دون أي رقابة أو محاسبة، وأكد عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن “سوريا هي أكبر سوق احتكارية في الشرق الأوسط، وأن الأسعار هناك أغلى بنحو 30 بالمئة على الأقل من الدول المجاورة”.
وهكذا ترزح سورية تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة تثقل كاهل المواطن السوري الذي يكافح يومياً لتأمين لقمة عيشه، وفي ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وصل معدل التضخم إلى مستويات قياسية، وأصبحت السلع الأساسية بعيدة عن متناول الكثيرين.
وفي ظل هذه الأجواء الصعبة، تتعالى أصوات المسؤولين السابقين مطالبين بالتغيير. فقد صرح وزير سابق بأن سوريا في أمس الحاجة إلى حكومة تفكر خارج الصندوق وتتجاوز الأساليب التقليدية لإدارة الأزمات. وتعكس هذه الدعوة مدى الإحباط من النهج الحالي، وتؤكد أمرين: إما أن الحكومة في دمشق عاجزة، أو أنها لعبة مقصودة؟
سوق احتكارية ضخمة
في مشهد يكشف عن الواقع المثير للجدل للسوق السورية، أدلى محمد الحلاق، عضو غرفة تجارة دمشق، بتصريحات مثيرة للجدل حول الوضع الاقتصادي في البلاد، ووصف سوريا بأنها تستضيف “أكبر سوق احتكارية في الشرق الأوسط”، في إشارة تلفت الانتباه إلى حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري.
وفي تفاصيل مثيرة، كشف الحلاق عن أسباب هذه الظاهرة الاقتصادية المقلقة، مشيراً إلى “دخول الدخلاء إلى مهنة التجارة”، ما أدى إلى نشوء هذه السوق الاحتكارية غير المرغوبة، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول آليات الرقابة والتنظيم في القطاع التجاري السوري.
وفي مفاجأة صادمة، أعلن الحلاق أن الأسعار في سوريا تفوق أسعار الدول المجاورة بما لا يقل عن 30%، وأن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، بحسب تحليله، يعود إلى مجموعة من العوامل المركبة، منها نقص السيولة، وتقييد الاستيراد عبر المنصات الرسمية، وسيطرة فئة محدودة من المستوردين على السوق.
تعكس هذه التصريحات، التي أدلى بها خلال منتدى “الإدارة المحلية في مرحلة التعافي المبكر”، واقعاً اقتصادياً متقلباً، حيث ربط بين انخفاض الأسعار وعاملين رئيسيين: القدرة التنافسية للسوق وتوفر السلع. وهذه المعادلة التي تبدو بسيطة تخفي ديناميكيات معقدة تتحكم في نبض الاقتصاد السوري.
وفي معرض تسليطه الضوء على بيئة الأعمال، يصف الحلاق المشهد بـ«عالم المجهول»، حيث يعمل التجار في حالة من عدم اليقين التشريعي والإداري، مع بقاء الضرائب والمتطلبات المالية والقرارات الاقتصادية الحكومية لغزاً.
وعن تأثير رفع الدعم عن المحروقات، كشف الحلاق عن حقيقة صادمة خلال حواره مع موقع “بيزنس تو بيزنس” المحلي: كل السلع في سوريا يتم تسعيرها حالياً على أساس سعر صرف 12500 ليرة سورية للدولار، وأسعار السلع في سوريا تحكمها بالدرجة الأولى العرض والطلب، وإذا أردنا خفض الأسعار فلا بد من خفضها إلى 12500 ليرة سورية للدولار. التعرض وبكميات كبيرة فإن الأسعار سوف تنخفض إلى سعرها الحقيقي الطبيعي، مثل الدول المجاورة، أي بنسبة انخفاض تصل إلى 30 في المائة.
خارج الصندوق
من جهتها، أدلت الدكتورة لمياء عاصي، الوزيرة السابقة والخبيرة الاقتصادية المتميزة، بتصريحات كسرت الصمت حول مستقبل سوريا، ووصفت واقع البلاد بـ”الجزيرة المعزولة” وسط بحر من التغيرات العالمية المتسارعة.
وأكدت عاصي أن سوريا تقف الآن عند مفترق طرق حرج، وتعتقد أن البلاد بحاجة ماسة إلى “حكومة كفاءات” قادرة على “التفكير خارج الصندوق” وليس إعادة اختراع العجلة.
وفي تصريحات استفزازية لها على هامش منتدى “الحوكمة المحلية في مرحلة التعافي المبكر”، شددت عاصي على ضرورة اعتماد “عقلية إبداعية” قادرة على مواكبة التغيرات العالمية.
وفي لفتة جريئة تحمل في طياتها دعوة للتغيير، سلطت عاصي الضوء على مبدأ المحاسبة باعتباره حجر الزاوية في هذا التحول المنشود، معتبرة أن محاسبة الحكومة والوزراء ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي المحرك الأساسي لتعديل السلوك الإداري وتحسين الأداء الحكومي.
وأشارت إلى أنه من أجل ضبط العمل الحكومي لا بد من تطبيق المبادئ الخمسة للحكم وأهمها محاسبة الحكومة والوزراء لتعديل سلوكهم وقيام مجلس الشعب بدور فاعل.
ومن الجدير بالذكر أن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة تجاوز في حزيران/يونيو الماضي 8 ملايين ليرة سورية، وهو رقم يفوق قدرات الغالبية العظمى من السوريين. وهذا الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة وضع المواطن السوري أمام معادلة صعبة: كيف يمكن تأمين لقمة العيش في ظل هذا الواقع المرير؟