يوسف السباعى.. حكايات الديكتاتور المثقف ورائد الرومانسية.. وصفه نجيب محفوظ بجبرتي العصر.. ورصاصة خائنة أنهت حياته خارج الوطن ,
يوسف السباعي الأديب ووزير الثقافة والفنان والمثقف، كان أحد الضباط الأدبيين في عهد ثورة يوليو، ولقب بفارس الرومانسية. إنه الروائي والصحفي والمفكر والرجل البسيط والفارس النبيل والشهيد البطل. استشهد في سبيل الواجب ونشر السلام برصاص الإرهاب والخيانة في دولة قبرص في مثل هذا اليوم 18 فبراير 1978.
وصفه نجيب محفوظ بطاغية العصر، ووصفه توفيق الحكيم بأنه رائد الأمن الثقافي وصاحب الأسلوب السهل البسيط الساخر الذي تناول الرمزية والسخرية من عيوب المجتمع. أرّخ إنجازات ثورة يوليو وسقوط الملكية وإعلان الجمهورية من خلال روايته «رد قلبي» وفي «دموع جافة» عن الوحدة المصرية السورية و«أقوى من الزمن» عن العملاق. مشروع السد العالي .
يوسف السباعي الدكتاتور المثقف الذي لفّق أغرب تهمة لرئيس تحرير وأمر بحذف مشاهد محمد صبحي من فيلم الكرنك.
ابن الدرب الأحمر
ولد الكاتب يوسف السباعي عام 1917 في حارة الروم بحي الدرب الأحمر، ونشأ في حي السيدة زينب. وهو ابن المترجم محمد السباعي، الذي كان أباً حنوناً، عصرياً، منفتحاً، ومثقفاً. وكانت مكتبته ونصائحه هي الأساس الأدبي الذي نشأ عليه الابن، بالإضافة إلى قصص جدته «نينا تحية».
التحق يوسف السباعي بالمدرسة الخديوية عندما كانت الأسرة تسكن بحي السيدة زينب، وعندما توفي والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، انتقل إلى حي روض الفرج حيث التحق بمدرسة شبرا الثانوية، ووالده ظهرت المواهب الأدبية والصحفية. أصدر مجلة حائطية تسمى مجلة شبرا الثانوية. وكانت قصته القصيرة الأولى. نشرها في المجلة تحت اسم «فوق الأنواء» عام 1934، ثم أعاد نشرها من خلال مجموعته القصصية «أطياف» عام 1946. أما قصته الثانية «يدي أبو لهب تتوبان وتتوبان» نشره في مجلة “مجلتي” التي أصدرها أحمد الصاوي محمد ود. طه حسين، وبعد أن التقى بالكاتب أحمد قاسم جودة، بدأ الكتابة في جريدة الكتالة، حيث نشر روايتين: يا أمة ضحكت، أرض النفاق.
تخرج من الكلية الحربية عام 1937، وعمل يوسف السباعي في الصواري ثم قائداً لسلاح الفرسان. حصل على شهادة أركان الحرب عام 1944، وهي نهاية حياته العسكرية. وسمح لنفسه بإطلاق العنان لموهبته الأدبية التي كانت محصورة داخل أسوار الكلية الحربية، وحصل على دبلوم الصحافة عام 1952. .
بدأ يوسف السباعي الكتابة الصحفية، وتراوحت في البداية بين ترجمة قصة أو كتابة تعليق عسكري كل أسبوع في مجلة “آخر خبر”. ثم انتقل إلى الكتابة في مجلة “بوكيت سكرولز” وكتب مجموعته القصصية “بين أبو الريش وحديقة النمش” عام 1950. “هذا هو… الحب” و”سمر الليالي” و”همسة عابر”. في عام 1951، موقعة بالأحرف الأولى من اسمه.
يوسف السباعي من العسكري إلى الصحافة والأدب.. 105 أعوام على ميلاد جبرتي العصر
50 عاما من الصحافة
كتب يوسف السباعي أكثر من 50 رواية وفيلما ومسرحية. لقد أمضى نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة، الذي دخله من باب الأدب، مما خلق علاقة مع قرائه. وتحولت معظم رواياته إلى أفلام سينمائية، وأغلبها أفلام رومانسية، منها «لقد رحلت»، و«بين الأطلال»، و«شارع الحب»، و«لا نزرع». الشوك، أرض النفاق.
بين أبو الريش وحديقة النمش
تحول يوسف السباعي إلى الكتابة في الصحف والمجلات. بدأ بكتابة تعليق عسكري أسبوعي في صحيفة “آخر الأخبار”، ثم ترجمة إحدى القصص الأجنبية. ومن هناك برع قاصاً في مجلة «مخطوطات الجيب»، فنشر هناك عام 1950 مجموعته القصصية الأولى «بين أبو الريش وحديقة النميش».
ساهم في إنشاء عدد من المؤسسات الثقافية وترأس أغلبها مثل نادي القصة، ونادي الكتاب، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، بالمشاركة مع الأديب إحسان عبد القدوس، واتحاد الكتاب. . كما تولى رئاسة إدارة وتحرير عدد من المجلات والصحف، منها دار الهلال، وآخر ساعة، ومؤسسة الأهرام، كما تولى وزارة الثقافة المصرية. انتخب رئيسا لنقابة الصحفيين عام 1977 في منافسة شريفة مع صديقه الكاتب يوسف إدريس، وكان هذا آخر منصب يشغله.
في لقاء نادر بينها وبين الكاتب يوسف السباعي، انتحلت السندريلا سعاد حسني شخصية المذيعة لتجري مقابلة مع الكاتب الراحل في منزله بالمقطم. سألته عن عاداته في الكتابة؟ وقال: كتب معظم رواياته في غرفة على أسطح المنازل، وكذلك في مخزن التجنيد في الكلية الحربية، مؤكدا أن المكان ليس هو المهم، بل الأهم أن يكون للكاتب حس داخلي. التحضير للكتابة وأن يكون في مكان مغلق بعيداً عن أي إزعاج.
في ذكرى استشهاد يوسف السباعي طاغية العصر الذي دفع حياته ثمنا لجرأة السادات
رحلة الموت شهيداً
وسافر لحضور مؤتمر آسيوي أفريقي لبحث القضايا الفلسطينية في العاصمة القبرصية نيقوسيا على رأس وفد مصري. وأثناء توجهه إلى قاعة الاجتماعات بالفندق، فاجأه شابان قيل أنهما فلسطينيان بإطلاق ثلاث رصاصات عليه، مما أدى إلى مقتله.
وكانت آخر كلمات كتبها السباعي قبل سفره إلى قبرص: بيني وبين الموت خطوة سأخطوها نحوه، أو سيخطوها نحوي، ولا أعتقد أن جسدي الضعيف قادر على الخطو نحوه. هو – هي. يا عزيزي الموت إقترب فإني أشتاق إليك كثيراً وأشتاق إليك كثيراً.
حزن السادات وانتقامه
وعندما علم الرئيس السادات بنبأ اغتيال الكاتب يوسف السباعي، أحنى رأسه وانهمرت دموعه، وتحدث لوسائل الإعلام بوجه شاحب مملوء بالحزن قائلا: يوسف لم يكن وزيري. إنه أخي وأحب الناس إلى قلبي، ولن أترك قاتليه. وتم تشييع جنازة الشهيد يوسف السباعي بعد إحضار جثمانه. ملفوفة بالعلم المصري، ذهبت إلى القاهرة، رسميًا وشعبيًا، ولم يحضرها السادات، بل حضرها مبارك نائبًا له ووزير الدفاع عبد الغني الجمسي، وكان السادات يستعد للانتقام.
وبالفعل أرسل الرئيس الراحل مجموعة من قوات الصاعقة إلى قبرص للانتقام من الفاعلين وإعادة الرهائن المصريين الأربعة الذين احتجزهم الإرهابيان. لكن العملية باءت بالفشل، بعد أن أطلقت القوات القبرصية النار على وحدة الصاعقة حتى احترقت الطائرة المصرية التي كانت تقلهم، واستشهد وسافر خمسة عشر من رجال الصاعقة. وتوجه بطرس غالي وزير الخارجية إلى قبرص للتفاوض على جلب جثامين الشهداء والرهائن، وبعد ذلك انقطعت العلاقات مع الحكومة القبرصية.
وأثناء محاكمة قتلة يوسف السباعي أمام المحكمة القبرصية بحضور المدعي العام المصري عدلي حسين، برر القتلة أفعالهم بالادعاء أن السباعي كان داعية للسلام مع إسرائيل وأنه رافق السادات في رحلته. زيارة إلى تل أبيب.
يوسف السباعي يدعو إسرائيل للسلام قبل حرب أكتوبر
اللوم على كل إسرائيلي
عرف الأديب يوسف السباعي بتسامحه وحبه للسلام، لدرجة أنه كتب عام 1970 في مجلة آخر ساعة مقالا بعنوان (من كاتب مصري إلى ما شالوم في إسرائيل)، كتب فيه وقد دعت، قبل سنوات من اتفاق السلام مع إسرائيل، إلى السعي إلى تحقيق السلام في الأراضي المحتلة على أساس العدالة، وإلى رفع أغصان الزيتون. وعن المنطقة بعد عودة الحقوق إلى أصحابها وعودة اللاجئ إلى وطنه، قال: أفترض يا شالوم أنك إنسان كباقي البشر، تحمل هموم الإنسان على كتفيك، تحمل آلامهم في صدرك ، وتتطلع بقلبك وأحلامك إلى الحياة الآمنة، وقد أتيت إلى هذه الأرض التي ستستقر فيها بآمال كبيرة…ولكني أقول لك. المبدأ الذي جاء بكم إلى هذه الأرض خاطئ، فلا أرض بلا مالك، وأسلوب استيطانكم فيها كان أكثر خطأ، إذ اضطررتم لاغتصاب الأرض من صاحبها وتهجيره وقتله . وهذه حقيقة لا يمكنك إنكارها، وتأكد أن صاحب الأرض لا يترك أرضه مهما طال الزمن أو طال الزمن. دفع التضحيات.
دعوة للسلام
مازلتم تحلمون بإمبراطورية واسعة من النيل إلى الفرات، ولكن كيف نحن 100 مليون عربي؟ هل تعتقد أننا في عصر التتار والمغول؟ هل تعتقدون أن فكرة القائد الأحمق يمكن أن تجد مكانا في رأس الشباب المنفتح الذي يكفر بالحروب والدمار؟ العالم كله يهيئ لكم فرصة السلام بإعطاء من طردتم من أرضه فرصة العودة، ويقدم لكم دعمه لتعيشوا في بلد واحد تتساوى فيه الحقوق دون تعصب ديني. ولم يكن العرب أعداء لكم حتى بدأتم العدوان والتهجير عليهم، ومع ذلك يقبلون أن يعيشوا معكم في أرض واحدة.