صراع النفوذ في أفريقيا… كيف وصلت الصين إلى الجزائر؟

tullaab13 فبراير 2024آخر تحديث :
صراع النفوذ في أفريقيا… كيف وصلت الصين إلى الجزائر؟

صراع النفوذ في أفريقيا… كيف وصلت الصين إلى الجزائر؟ ,

تزامنا مع عدد من التطورات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، والأحداث في غزة، وحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، عملت الصين على تكريس نفسها كشريك لمعظم الدول العربية بما فيها الجزائر، وكذلك الدول النامية، خاصة تلك التي تعاني من التدهور الاقتصادي. شارب، من خلال تقديم قروض مغرية أو من خلال الاستثمار في المطارات والموانئ ومجالات الطاقة ومشاريع السكك الحديدية، مشروطة باتفاقيات تؤدي في النهاية إلى الاستحواذ على موارد الدول المتأخرة.

ويبدو أن الاستثمار الصيني المسعور لم يقتصر على دول الشرق الأوسط والدول المجاورة لجمهورية الصين الشعبية في شرق آسيا، بل انتقل إلى قارة أفريقيا، دول شمال القارة، وتحديداً الدول العربية، مثل المغرب وتونس وليبيا ومصر والجزائر، حتى بدأت بكين تنافس بقوة دول الاتحاد الأوروبي في منطقة المغرب العربي. العربية وشمال أفريقيا.

وعليه، قررت الصين في السنوات الأخيرة، وتحديدا خلال العامين الماضيين، القيام بخطوة تعتبر أكثر جرأة وفقا للمعايير الجيوسياسية، وذلك بالتوجه نحو الجزائر بطريقة لافتة، بهدف تمكين العلاقات بين البلدين. وتعزيزها بمزيد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية. وتكمن خطورة هذه الخطوة. وباعتبار الجزائر منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ودول أوروبية أخرى، فهل حكومة بكين على علم بما تفعله في منطقة الساحل الأفريقي؟

لماذا الجزائر؟

تشير التقارير إلى أن الجزائر تتصدر الدول الإفريقية كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال لسنة 2023، بحسب منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، متفوقة على نيجيريا التي تصدرت القائمة منذ عقد كامل، وهو ما يعتبر إنجاز ملحوظ يدل على المكانة الكبيرة التي تحتلها الجزائر. وبذلك ترسيخ مكانتها كشريك استراتيجي لأوروبا في مجال الغاز وكدولة تنتج هذه المادة الحيوية بامتياز.

من جهة أخرى، وضعت الحكومة الجزائرية مشاريع التعدين الكبرى على رأس جدول أعمالها، سعيا منها لاستغلال ما تمتلكه من معادن غير مستغلة وأتربة نادرة، مقابل الفجوة الواسعة في العرض والطلب العالمي، للدخول في هذا المجال من أوله. أبواب واسعة مع الشركاء الغربيين، وهو ما دفع الحكومتين الصينية والروسية. لتسريع التقرب من الحكومة الجزائرية للحصول على فرص استثمارية، إلا أن الجزائر تريد الانفتاح على مختلف الشركات الغربية، بما فيها الشركات الفرنسية والأمريكية واليابانية التي تسعى للبحث عن المعادن النادرة، وهو ما شجع الشركات الأمريكية على تقديم طلب استثمار في مجال البحث والاستكشاف.

أما موقع الجزائر الجغرافي وتأثيرها السياسي بالنسبة لقارتي أفريقيا وأوروبا فهو في غاية الأهمية، مما يدفع معظم حكومات العالم إلى الحرص على تعزيز علاقاتها مع الجزائر. وفيما يتعلق بالنفوذ السياسي في القارة الأفريقية، تعتبر الجزائر حجر الزاوية في الوضع السياسي الأفريقي، حيث تتمتع بعلاقات وثيقة مع معظم الدول الأفريقية. أما بالنسبة لأوروبا، فتعتبر الجزائر من الدول المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها مهمة من الناحية الأمنية للقارة العجوز، خاصة مع تزايد الهجرة نحو أوروبا.

ويفسر المحلل السياسي رامي خليفة في حديثه لـالحال نت التمدد الصيني في الجزائر بضعف الوجود الأوروبي في قارة أفريقيا والجزائر بشكل خاص، لافتا إلى أن هذا الضعف شجع الحكومة الصينية التي هي بالدرجة الأولى تبحث عن سوق لبيع بضائعها، لبسط نفوذها على القارة ودول أخرى. الساحل الأفريقي.

بالمليارات: الصين تستثمر في الجزائر؟

وفي 20 يوليو 2023، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن الصين سوف تستثمر وتمتلك بلاده 36 مليار دولار في عدة مجالات أهمها الصناعة والتقنيات الحديثة.

جاء ذلك خلال لقاء الرئيس تبون مع أبناء الجالية الجزائرية بالعاصمة بكين، بحسب التلفزيون الرسمي الجزائري، قائلا إن الصين ستستثمر 36 مليار دولار في مختلف المجالات بالجزائر، مثل الصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة، والنقل والزراعة، مشيراً إلى أن السياحة هي أيضاً أحد مجالات الشراكة الشاملة مع الصين، وسنعمل على تعزيز الحركة السياحية بين البلدين.

من جانبه، أكد المتحدث الثاني باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، أن الجانب الصيني يتطلع إلى بذل جهود مشتركة بين الصين والجزائر، لتحقيق مزيد من التطوير لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، من خلال تعميق الثقة المتبادلة وتوسيع التعاون وتعزيز الصداقة بين الطرفين، مشيراً إلى أن الزيارة تعد مساهمة أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الوحدة والتعاون بين الدول النامية.

وتنامى دور الصين في مختلف دول العالم، وليس فقط في القارة الإفريقية، من خلال بسط نفوذها الاقتصادي في معظم المجالات، والجزائر ليست الوحيدة التي استثمرت فيها الصين، بل معظم دول العالم، بحسب لرامي خليفة.

ويرى خليفة أن دور الدول الأوروبية في القارة الأفريقية بدأ يتلاشى في مختلف المجالات، ويبدو أن القارة الأفريقية أفلتت من السيطرة الأوروبية واتجهت إلى أطراف أخرى بدأت تظهر في القارة مثل روسيا وتركيا وتركيا. أخرى، مما يشير إلى أن الصين هي الأبرز والأكثر توسعا في أفريقيا. في الآونة الأخيرة، وتحديدا من الناحية الاقتصادية، وبالتالي هناك تغير في خريطة نفوذ الدول الكبرى في منطقة شمال أفريقيا، وقد أصبح هذا الأمر واضحا، خاصة في السنوات الأخيرة.

الصين بدلاً من فرنسا؟

ارتبط اسم الجزائر دائما بفرنسا، لكن منذ عام 2013 نجحت الصين في أن تصبح المورد الأول للجزائر، مما أزاح فرنسا من موقع الريادة الذي كانت تحتله لعقود من الزمن، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر والصين حوالي 14.6 مليار دولار في عام 2021 بنمو يقدر بـ 32.6%. وفي عام 2022، استوردت الصين بضائع جزائرية بقيمة 1.2 مليار دولار، معظمها مواد طاقة مثل النفط والغاز، ومعادن مثل خام الحديد. كما أعلنت الحكومة الجزائرية رغبتها في الانضمام إلى مجموعة “بريكوس” التي تعتبر بكين أحد أكبر ركائزها.

وفي نوفمبر 2022، وقعت الجزائر خطة خمسية ثانية للتعاون الاستراتيجي مع الصين، للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي بين البلدين. وتستمر هذه الاتفاقية حتى أواخر عام 2027.

لقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينغ (يمين) في بكين مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون – (رويترز)

ثم، أوضح بيان وأكدت وزارتا الخارجية الجزائرية والصينية أن التوقيع الجديد يأتي تعزيزا لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة سنة 2014، واستمرارا للرغبة المشتركة لدى الجانبين في تعزيز العلاقات الجزائرية الصينية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات.

وبخصوص موقف فرنسا من الاستثمار الصيني في الجزائر، قال الباحث السياسي إدريس آدار في حديث لـالحال نت إنه لن يمر مرور الكرام، ففرنسا تتأثر به كثيرا، ليس في الجزائر فحسب، بل في بقية دول الساحل أفريقيا، معربا عن قلقه إزاء الوجود الصيني. وقال في الجزائر خاصة في مجال المشاريع الاستثمارية لأنها أعمال غير مؤكدة النتائج وقد تزيد من معاناة الجزائر في المستقبل.

ما هو موقف أمريكا؟

وحاولت الجزائر أن تمسك العصا في المنتصف للحفاظ على المكاسب التي حققتها من خلال علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي. وترتبط طبيعة الوجود الصيني في الجزائر بالحكومة الجزائرية وكيفية إدارتها لعلاقاتها الخارجية مع دول العالم الأخرى، بحسب المحلل السياسي إدريس أدار، مشيرا إلى: أن الجزائر حاولت معادلة القوى العالمية على أراضيها. ومع فتح الاستثمار أمام الشركات الصينية، حرصت الحكومة الجزائرية على توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية تتعلق بمجال النفط والغاز الطبيعي جنوب الجزائر.

ويرى أدار أن الدور المتنامي للصين في شمال أفريقيا سيكون له تأثير واضح على المعادلات الدولية والتأثيرات الجيواستراتيجية في المنطقة، وتحديدا بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأن العلاقات بين دول شمال أفريقيا (المغرب، الجزائر، وتوصف تونس) مع أوروبا بالتاريخية، نظرا لأن هذه الدول كانت تحت السيطرة الفرنسية لفترة طويلة، فإن الوجود الصيني في هذه الدول سيربك المشهد ويجعل المنطقة غير مستقرة.

تاريخيا، قد لا تكون الولايات المتحدة الأقدم من حيث العلاقات مع الجزائر، لكن أمريكا عملت في فترات مختلفة على مد جسور التواصل مع الجزائر وتعزيزها باتفاقيات على المستويين الأمني ​​والاقتصادي. إلا أن الحكومة الجزائرية حرصت في الآونة الأخيرة على تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لإدراكها لأهمية التعاون. بحسب رامي خليقة.

ويوضح خليفة أن منطقة شمال أفريقيا بدأت تشهد صراعا كبيرا بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خاصة وأن البلدين يعتبران أقوى أقطاب العالم، حيث تسعى الصين إلى إيجاد موطئ قدم في أفريقيا، وأمريكا كما تحاول تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية لأغراض أمنية والحد من المد الصيني في القارة الإفريقية، في حين أنه من غير المرجح أن تفرض واشنطن عقوبات على الدول التي تتعامل مع الصين، وخاصة الجزائر.

من جانبه، يقول إدريس أدار إن وجود الصين في الجزائر له آثار سلبية تؤثر على معظم الدول الإفريقية، ويجب على الحكومات الإفريقية تنظيم علاقتها مع بكين على أساس المصلحة المشتركة وليس بطريقة التوسع والاستحواذ، مشيرا إلى أن أمريكا لديها بدأت تنافس الصين في الجزائر والمغرب من خلال… الاستثمارات العسكرية والاستراتيجية والصناعات البتروكيماوية.

يبدو أن قارة أفريقيا تواجه خطراً جديداً يتمثل في التوسع الصيني وتداعياته المستقبلية، وهي تعيش في الأساس حالة من عدم الاستقرار، إذ تضم دولاً متخلفة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، وأغلبها تعيش العديد من الدول الإفريقية فوضى الانقلابات وسوء الإدارة، في وقت تتمتع فيه بموارد طبيعية وفيرة. إنها ضخمة ولديها قوة عاملة كبيرة، مما يجعلها هدفا حيويا للتنين الصيني.